انعكاسات الاتفاق السعودي الإيراني ستطال أيضاً مكتب mbc في بيروت. قبل سنتين تقريباً، تحوّلت استديوهات mbc في ذوق مصبح (شمال بيروت)، من مكان يضجّ بالصحافيين والتقنيين، إلى استديو يسوده الصمت بعد تفريغه من موظفيه الذين هجروه لأسباب عدة أبرزها سياسية تتعلّق بالخلاف بين الرياض وبيروت، إضافة إلى قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بنقل مكاتب الشبكة من مكتبَي دبي وبيروت إلى الرياض حيث سيكون مقرها الأساسي. مع العلم أن استديوهات بيروت كان لها الفضل في نجاح برامج mbc من بينها «ذا فويس» و«ذا فويس كيدز» (عام 2016/2017) و«للعرب مواهب»، التي حققت جماهيرية واسعة. يومها، كانت الشبكة في أوج عطائها الإعلامي، شهدت شهرة واسعة تخطت حدود الخليج. وكانت بيروت «وجه الخير» على mbc، إذ كتبت نجاحاتها بعد رحلة طويلة بين لندن ودبي لم تنجح في تعزيز صورتها كما فعلت بيروت. لكن النجاح المدوّي الذي طُبع على جبين mbc في بيروت، شهد مطبّات عدة، وكانت العلاقة بينهما تتأرجح في السنوات الأخيرة، بين انقطاع وهجرة بناءً على العلاقة السياسية بين الرياض وبيروت. ورغم القرار الأساسي بانتقال شبكة mbc (إلى جانب «العربية- الحدث» و«الشرق»...) إلى الرياض بشكل كلّي لتعزيز صورة ابن سلمان، إلا أن مكاتب بيروت ستشهد عودة حركة «خفيفة» فيها. إذ سيتمّ تصوير مجموعة برامج أبرزها «للعرب مواهب» الذي سيعود بموسم جديد في نهاية العام الحالي. هذه العودة سببها الأساسي هدوء الخطاب الإعلامي بين بيروت والرياض، إلى جانب الميزانية المتوسطة التي يتطلبها تصوير تلك البرامج في بيروت، بعيداً عن الرياض حيث كلفة التصوير عالية.
على الضفة نفسها، بات مؤكداً أنّ انتقال mbc من دبي إلى الرياض، بات أمراً محتّماً. تؤكد المعلومات أنّ عملية الانتقال ستستغرق وقتاً طويلاً، بحكم التجهيزات التقنية التي تتطلبها عملية الانتقال بعدما استقرت في دبي قرابة 21 عاماً. لذلك، فقرار الاستقرار في الرياض لا رجوع عنه، ولا خيار أمام الموظفين إلا القبول به أو ترك عملهم. مع العلم أن إدارة الشبكة قدّمت عروضاً مالية «مغرية» للموظفين بهدف تحفيزهم على الموافقة للانتقال إلى الرياض. وتشير المعلومات إلى أنّ عام 2025 سيكون تاريخ الانتقال الكامل للشبكة إلى العاصمة السعودية حيث يتم بناء استديوهاتها حالياً وستكون بمواصفات عالمية إلى جانب أهم الشركات الإعلامية الأجنبية.
بيروت ستنال حصّة من هذا الانفتاح مع إعادة الحياة إلى مكتب الشبكة في ذوق مصبح
في المقابل، بات معروفاً أنه على أثر الصراع السعودي - الإماراتي، تقرّر نقل «العربية - الحدث» و mbc (وغيرهما من الإعلام السعودي التابع لشركة «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام») إلى الرياض حيث سيكون المركز الأساسي لجذب الاستثمارات العالمية. لكن ما الذي يعيق انتقال الشبكة إلى العاصمة السعودية؟ في العموم، لا شيء يقف عائقاً أمام انتقال الموظفين إلى مقرهم الجديد باستثناء المبنى الذي يتمّ تجهيزه. لكن في العمق، هناك مطبات عدة تقف في وجه تلك الخطوة، أبرزها تعاقدات mbc مع مجموعة من الموظفين الأجانب (من مختلف الجنسيات) الذين استقرّوا في دبي لسنوات، بناء على عقود مع الشبكة تلزمها الاستقرار في الإمارات. هذا الأمر دفع القائمين على mbc للحصول على استثناءات لأولئك الموظفين (عشرات التقنيين والمتخصصين)، لإبقائهم في دبي وعدم الانتقال إلى الرياض.
من جانب آخر، تستعد mbc لمشاريع درامية سيكون قوامها تصوير المسلسلات في ثلاث مدن دفعةً واحدة وهي: بيروت وإسطنبول والرياض. تزامنت تلك المشاريع مع المصالحة التركية السعودية قبل أشهر، إلى جانب المصالحة الإيرانية السعودية التي كلّلت المشاريع أخيراً.
من المعروف أن الشبكة تركّز على الإنتاج الدرامي الذي وضعته في سلّم أولوياتها، وخصصت له ميزانية ضخمة، حيث تتعاون مع شركات الإنتاج العربية واللبنانية. وبناء على توسيع الإنتاج الدرامي التركي السعودي، وقّعت الشبكة اتفاقية تصل مدّتها إلى خمس سنوات، مع شركتَي «القمر» و «ميديابيم» التركيتين، وتنصّ على عرض وتصوير أعمال تركية في الرياض للترويج للعاصمة السعودية. كما سيتم التعاقد مع كتّاب أتراك لمسلسلات عربية مهمة ستصوّر بين تلك المدن.
باختصار، وضعت mbc خطة إعلامية جديدة «موقتة» نتيجة التحالفات السياسية الجديدة، رافعةً شعار «لا لاستفزاز الحليف الإيراني». طبعاً، هذه ليست خطّة نهائية، ففور اهتزاز تلك المصالحة، ستعود الجبهات الإعلامية إلى سابق عهدها.