شخصية ديناميكية، عفوية، ورشيقة، تميزت بحرفية عالية في الأداء. لم يكن سامي خياط (1943-2023) الذي رحل أول من أمس، ممثلاً مسرحياً فكاهياً فحسب، بل لعب دوراً عميقاً في تعزيز المشهد الثقافي اللبناني، على مستوى المسرح تحديداً. حتى أيامه الأخيرة، لم ينفك يسخّر الفكاهة لنقد الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في الحيّز العام، بطريقة محبّبة، ولطيفة، رسمتها خطواته الرشيقة على المسرح. برحيله، تفقد الخشبة اللبنانية، رائداً، عمل لعقود، ضمن مسار ذات خصوصية فنية، لدى جزء كبير من الجمهور اللبناني.ربما، لم يكن خياط على دراية بتعددية مواهبه على المسرح، كان مهرجاً، ومؤدياً حركياً، وممثلاً. لم يمل من العمر، ولم يمل المسرح منه. في مسرحيته الأخيرة «وَلاوْ» التي عرضها على خشبة «مسرح مونو» قبل أشهر، كان إيقاعه سريعاً، غير رتيب، ومتجدداً، حتى في أيامه الأخيرة، وهو الذي عمل لأكثر من ستين عاماً، في المسرح، وبقي في الحالة التفاعلية نفسها، مع الجمهور، الذي بناه وأسسه على مدى سنوات، إذ كان يسرد علينا الأزمات، بطريقة تهكمية، تقارب الواقع من منظور عام، وفي سياق مادة مضحكة.
تميّز سامي خياط بالأسلبة في المسرح. كان أسلوبه يرتكز إلى تقديم الواقع في شكل مبسط ومحدد، بخاصة أنه كان يتناول الظواهر، ضمن خطوط بنيوية عامة. كان يقارب الواقع، على المسرح، من خلال تجميع مادته، وأفكاره، ومشاهداته، من خلال مراقبة ما حوله، ثم العمل على إعادة صياغة الأفكار، في نصوص مسرحية بسيطة ولطيفة. كل ما كان يتوق إليه هو إشباع الجمهور بالأمل. أكثر ما كان يميز الراحل، هو العمل ضمن أطر الكوميديا الهجائية، وكوميديا الصالونات، وكوميديا البورليسك. رسم ضحكة في ظلامية المشهد وقتامة الصورة العامة، والأزمات التي كان يعيشها الجمهور، حتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية. «الضحك هو آلية ملازمة للإنسان». كان يحب دوماً أن يستشهد بالفيلسوف الفرنسي هنري برغسون، في قوله عن الضحك. كان مقرراً أن يقيم خياط احتفالية 60 عاماً من العمل في المسرح، منذ حوالي عامين، لكنه لم يفعل ذلك بسبب الأزمات الصحية والسياسية. بدأ مسيرته، في هذا المجال، منذ الصغر، عندما كان بيت العائلة في «دلبتا» الكسروانيّة، يعج بالزوار. كانت أمه وجدته، تقيمان حفلات الرقص والفرح. كما أسهم والده ألبير خياط، ذو المكانة الاجتماعية المرموقة، والعامل في مجال حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة، في مده بأساليب إخراجية بدائية، عندما كان يقيم مغارة الميلاد، ويجسد أصوات الرعد، مستعيناً بالتنك والأضواء لتجسيد البرق والرعد.
حصل خياط على دكتوراه في الألسنية، ودرس القانون والمحاماة، والأدب الفرنسي المعاصر. أكثر ما ميزه على المسرح، هو الفطرة، التي لا يمكن التهاون بقدرتها على خلق الفكاهة. بقي متمسكاً بأنواع الكوميديا والهزل المسرحي وأساليبه، وبقي إيمانه راسخاً بأنّ للمسرح قدرة على الترفيه. استخدم في أعماله، التي كانت تمثّل إلى جانبه فيها زوجته نايلة، مزيجاً من اللغة الفرنسية واللهجة اللبنانية كان يسميه «الفرنبانية»، كما أصدر كتاب Connais-moi, toi-même (2023)، الذي سلط فيه الضوء على سيرته الذاتية وعلى دوره كفنان خلال خمسين عاماً. من أبرز الأعمال التي قدمها «موليير هوغو وسوفوكو» التي دشن فيها مشواره الفني عام 1960، لينطلق بعدها في تقديم أكثر من 60 عملاً مسرحياً كوميدياً أبرزها: «يس فور لياس»، و«أبو كليبس»، و«ستار إيبيديمي»، و«مين دريان»، و«كوما سافا»، و«قرف»، و«بعبدا بوم»... مُنح جوائز وتكريمات عدّة، من بينها وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة ضابط في عام 2020، تقديراً لأعماله المسرحية باللغتين الفرنسية والفرنكو- لبنانية.

* يُصلّى على جثمانه عند الثالثة من بعد ظهر اليوم الجمعة في «كاتدرائية مار الياس للأرمن الكاثوليك» (ساحة دبّاس ــ بيروت). تُقبل التعازي في صالون الكنيسة قبل الدفن بدءاً من الساعة الحادية عشرة صباحاً، وغداً السبت في المكان نفسه بين الساعة الحادية عشرة صباحاً والسادسة عصراً.