كان جيرار أفيديسيان (1944 – 2023)، مبدعاً في مجالات كثيرة، إلّا أن أبي الفنون ظلّ شغفه الأول حتى رحيله يوم الجمعة الماضي بعد أشهر من المرض. أمس، شيّع الراحل من «كاتدرائية القديس نيشان للأرمن الأرثوذكس» في زقاق البلاط، قبل أن يوارى الثرى في مدافن العائلة في منطقة فرن الشباك، مسدلاً الستارة على مسيرة فنية متشعّبة بدأت بحصوله على شهادة الدكتوراه في الإخراج من «المعهد العالي للدراسات المسرحية» في الاتحاد السوفياتي.

بعد ستّ سنوات أمضاها هناك، عاد أفيديسيان إلى لبنان في السبعينيات لينخرط في المشهد المسرحي تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً ويمارس الإخراج على خشبة «تياترو بيروت». من أبرز أعماله المسرحية نذكر: «جمهورية الحيوانات» لشكيب خوري التي قدمت يومها في «مسرح بعلبك» في منطقة القنطاري عام 1971. أخرج أيضاً «أخوت لبنان» مع نبيه أبو الحسن، و«سفرة الأحلام» مع مادونا، و«جبران خليل جبران» و«صخرة طانيوس» التي قدّمها عام 1994 على «مسرح المدينة» في مناسبة افتتاحه. بعد ذلك الافتتاح، توجّه هو وجاهدة وهبة ونضال الأشقر، ورفعت طربيه، بثياب المسرح التي صمّمها جان لوي ديليفير، بناءً على رسوم وأبحاث أفيديسيان، إلى شارع الحمرا للاحتفال بالمسرح والجمال، وفق ما أكدت جاهدة وهبة في نعيها للراحل. تولّى أيضاً إخراج «أسرار الست بديعة» (2016) مونودراما لعبت دورها ندى أبو فرحات. ومن آخر أعماله، قبل أن يشتد المرض عليه، «الليالي اللبنانية» التي أخرجها عام 2017، وقُدمت على خشبة «معبد باخوس» في ساحة القلعة. مدّ العمل جسراً مع ماضي بعلبك الأسطوري الذي صنع ذاكرة لبنان الحديث، واستحضر البرنامج تراث الخمسينيات، ضمن استعراض غني بصرياً. في عام 2019، أعلن أفيديسيان عن عرضه الجديد «هاملت الأمير المجنون» (المقتبس عن نص شكسبير) الذي قدِّم في سرداب «كنيسة مار يوسف» في مونو، وأدّى بطولته الممثل المعروف رفعت طربيه. إلا أنّ ثورة تشرين الأول (أكتوبر) 2019 قطعت عروض العمل، لتنزلق البلاد بعدها إلى الانهيار.
لم يكتف جيرار بالمسرح فحسب، بل امتدّ نشاطه ليشمل الفنون التشكيلية. في عام 2005، وقع الاختيار على لوحته «الجندي الصغير من سميرنا» لمعرض الخريف الذي ينظّمه «متحف سرسق». وفي عام 2010 قدّم أيضاً ضمن معرض صالون الخريف ثلاثيّته «راقصات السلطان». كذلك، عمل في الدراما التلفزيونية مثل «طالبين القرب»، و«مريانا» وغيرهما من الأعمال.
لم يُغفل الراحل السينما، فتنوعت أعماله بين السينما العالمية كفيلم «كارينيه» (1969)، و«المثلث الاجتماعي» (1967)، والعربية منها «باب الشمس» (2004) للمخرج المصري يسري نصر الله. عُرف الراحل بقدرته على مزج الأسلوب اللاذع مع المرح في الوقت نفسه، فيما امتدت إبداعاته، لتصل إلى فنّ الإعلان. مَن لا يذكر «لافاش كيري» الدعاية الأكثر شهرة لجيل التسعينيات التي تولى أفيديسيان توليفها؟

تُقبل التعازي اليوم ابتداءً من الساعة الحادية عشرة صباحاً لغاية السادسة مساءً في «كاتدرائية القديس نيشان للأرمن الأرثوذكس» في زقاق البلاط