تونس | بعد عامين من غياب الاحتفال الرسمي بعيد المرأة خلال حكم الترويكا التي قادها الإسلاميون في تونس، عادت وزارة الثقافة هذا العام لإحياء ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية (١٣ أغسطس ١٩٥٦) المعروف بعيد المرأة. يمثل الأخير عيداً وطنياً خاصاً اعتادت بلاد الحبيب بورقيبة على الاحتفال به كل عام باعتباره ثورة اجتماعية غيّرت وجه تونس وجعلتها استثناءً في عالم عربي ذكوري.
«مهرجان قرطاج الدولي» استعدّ جيداً للعيد هذه السنة مع دخول مديرته سنية مبارك التاريخ بوصفها أول امرأة على سدة المهرجان الذي بعث قبل نصف قرن. الاحتفال بالمناسبة جاء بعرض فني من إنتاج المهرجان يحمل عنوان «المنسية»، وهو فكرة وإعداد المسرحي الأسعد بن عبد الله المدير الاسبق لـ «مهرجان الحمامات الدولي» و«المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية» في الكاف.
بعد غياب سنوات إذاً، عاد بن عبد الله (١٩٥8) الذي بدأ مسيرته المسرحية بأعمال في فرقة Cith'art عام ١٩٨7 مع مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية في تونس. لفت الانتباه كمخرج في أعمال مثل «تقاسيم» و«زرقون ستوري» و«فلوس القاز» وغيرها. ثم اشتغل على نصّ بيكيت الرائع «في انتظار غودو»، وقدّم أيضاً «كاف الهوى» و«فتوكوبي»، وجاءت أعماله مغرقة في التجريب.

ساعتان من أغنيات الحب
والرحيل والنسيان مع لوحات للرقص الشعبي الرجالي


منذ الألفين، اختار البحث في التراث الشعبي الغنائي في منطقة الكاف على الحدود التونسية ـ الجزائرية عندما عمل مديراً لمركزها المسرحي. كانت حصيلة هذا البحث الأولى العرض الشهير «المنسيات» (2001) الذي قدمه من شمال البلاد الى جنوبه. هذا المشروع الذي مزج بين الموسيقى والغناء والرقص والمسرح، شكّل حدث السنة في تونس يومها وحتى خارجها في المغرب.
أما عرضه الجديد «المنسية» الذي يقدَّم غداً على ركح «مهرجان قرطاج»، فليس نسخة عن عمله السابق، لكنه يسير في منطق البحث الانثروبولوجي نفسه في الذاكرة المنسية. يواصل بن عبد الله مساره في تتبع النغمات والأصوات والأغاني المهملة التي يهددها النسيان، ليعيد إحياءها بأصوات وتوزيع جديد من التراث الصوفي الى التراث الغزلي. ساعتان من أغنيات الحب والرحيل والنسيان هرباً من المرأة واليها. تتخلل العرض لوحات للرقص الشعبي الرجالي مع استعمال آلات النفخ الشعبية (المزود والقصبة) وآلات الإيقاع (الطبل والبندير والدربوكة). ولإنجاز هذا العمل، استعان المخرج بشعراء وفنانين وراقصين وعازفين من جهات مختلفة من البلاد بدءاً من أقصى الجنوب التونسي في مدينتي دوز والفوار من محافظة قبلي مروراً بمدينة نفطة من محافظة توزر ومدينة قفصة وصولاً الى مدينتي القصرين والكاف. رحلة على الشريط الحدودي التونسي الجزائري من الصحراء الى الجبال.
ومن أجل هذا العرض، جمع بن عبد الله حوالى ستين عنصراً من بينهم نجم الغناء الشعبي في الثمانينيات صالح الفرزيط الذي يعود آلى قرطاج بعد أكثر من عشرين عاماً، ونجم الاغنية الشعبية في الجنوب الغربي التليلي العماري، وسعيد اللموشي أحد أبرز فناني الأغنية الشعبية في الجزائر. ومن الشباب يشارك عبدالرحمان الشيخاوي والعروسي الزبيدي وعلي العبيدي وسليم المبروكي والشاعر أيوب بن مسعود. واستعان في الكوريغرافيا برشدي القاسمي أحد أبرز الاختصاصيين في الرقص المسرحي في تونس، ومن الجيل القديم محمود الورتاني الذي صمم أجمل لوحات الرقص الشعبي في «الفرقة الوطنية للفنون الشعبية». وفي الموسيقى، استعان برشيد يدعس الملحن والأستاذ في «المعهد الوطني للموسيقى» المتخصص في آلات الإيقاع. هكذا، يعدّ «المنسية» عملاً فرجوياً يمثل نافذة على تونس في فنها الشعبي وذاكرتها الخصبة، وهي تستعيد الرغبة في الغناء والرقص في مواجهة القتل والإرهاب الذي يتربص بالبلاد الذي تزداد المخاوف منه يوماً تلو آخر. والملفت أنّ جميع عناصر العمل رجالية، فالرجال هم سيرقصون ويغنون للمرأة في عيدها. مساء ١٣ آب (أغسطس)، سيكون موعد جمهور «قرطاج» مع العرض الوحيد من إنتاج المهرجان، فهل يثير «المنسية» الجدال نفسه الذي أثاره «المنسيات» قبل أكثر من عشر سنوات؟




14 جانفي

يعود الأسعد بن عبد الله الى الخشبة بعد غياب طويل. خلال السنوات الأخيرة، تفرّغ لإدارة «مهرجان الحمامات الدولي» و«مهرجان دقة» ولجمعية «كلنا تونس» التي أنتجت فيلماً من إخراجه مع آمنة منيف بعنوان «١٠٠ تونسي وتونسي يحكيو». رصد هذا الشريط تقييم التونسيين لما حدث في تونس في «١٤ جانفي ٢٠١١». كما أعدّ بن عبد الله أيضاً فيلماً وثائقياً آخر حول الرسام فؤاد الزاوش. وها هو اليوم يعود إلى الركح بعد أربع سنوات بسبب الظروف التي عاشتها البلاد وموقف الاسلاميين من الفن عموماً، ما أثّر في أداء المهرجانات خلال عامين من حكمهم.