تخطّت شعبية مسلسلات الإنمي اليابان منذ سنواتٍ طويلة، ليس لأن الإنمي مجرّد رسوم متحرّكة بطريقة جميلة، أو أنّها تروي قصصاً قوية وعميقة فحسب، بل لأنها أيضاً تقارب الجوانب الإنسانية أكثر من غيرها بكثير من «الدراما التمثيلية». يأتي «القنّاص» (Hunter-x-Hunter) كنوع من المسلسلات التي تمزج كثيراً بين الخيال الشديد والواقعية المدهشة، المشاعر الجياشة المنطلقة، والتفاصيل التي لا نجدها في العالم الواقعي. مزج هذه التفاصيل المدهشة، أعطى المشاهدين واحداً من أفضل المسلسلات، كما الأبطال الذين حتى اللحظة يحظون بشعبية جارفة ليس بين عشاق الإنمي فحسب، بل أيضاً بين عشاق المسلسلات القويّة ذات الأبعاد الكثيرة. السلسلة التي تصنّف كـ«شونين» (أي مانغا/ انمي للشبان/ الصبية)، رسمها وكتبها وشرحها المانغاكا يوشيهيرو توغاشي، وقدمها كمانغا في سبع وثلاثين تانكبون (كتاب مانغا مجمع). أما المسلسل، فقد قدّم في اثنين وستين حلقة (من ست وعشرين دقيقة) مقسّمة على ستّة مواسم تعرضها شبكة البث التدفقي نتفليكس.
إنها حكاية جون فريسيس، الصبي الصغير الذي لا يتجاوز الرابعة عشرة، الطيب الذي يعيش على حلمٍ واحد: أن يجد والده الذي تركه منذ ولادته، وأن يصبح صياداً هو الآخر. طبعاً هنا فكرة الصيّاد تختلف تماماً عن الصياد الواقعي. الصياد هنا بمثابة شخصٍ يمتلك قدراتٍ خارقة وخاصة، تجعله قادراً على التفوّق على البشر العاديين، ويتم استثمار هذه المهارة في البحث عن «كنوز خفية»، وإلقاء القبض على مجرمين، والبحث عن مفقودين، وإنقاذ محتاجين (سواء بمقابل أو من دون مقابل). ولكي يصبح الشخص صياداً يحظى بميزات ومساعدة من «هيئة الصيادين»، ينبغي له أن يحصل على «إذن الصيد» الذي يتيح له الحصول على «مهمات». طبعاً في الحلقات الأولى من الموسم الأوّل، تبدأ محاولات جون في الوصول إلى رتبة «صيّاد». سرعان ما يلتقي بأصدقاء عدّة هم «كيلوا» القادم من عائلة من «القتلة» (لا من الصيادين) هم عائلة زولدياك المعروفة في ذلك العالم، و«كورابيكا» الناجي الوحيد من مذبحة قبيلة «كورتا» التي ارتكبتها بحقّها عصابة «العناكب». ذلك أن الـ «كورتا» يمتلكون عيوناً حمراء تُعتبر من أغلى الكنوز في العالم؛ وأخيراً و«ليوريو باردنايت»؛ الذي قرر أن يدخل عالم «الصيادين» ليتحصّل على المال لإنقاذ صديقه المريض أولاً، ولكي يصبح طبيباً يعالج المحتاجين من دون مقابل.


يأتي كل واحدٍ من هؤلاء الأصدقاء بقوى خاصة به وبمهارات قتالية مرتبطة بحياته الواقعية. ينهمك جون وأصدقاؤه بالغوص في عالم «المسابقة» التي تؤهلهم للحصول على لقب صيّاد. في المعتاد، تكون الاختبارات متعلقة بالشجاعة، والقوة، والسرعة، وفوق كل هذا قوة الشخصية. هنا تبدأ واقعية العمل بالظهور. إنه ليس قصةً مخصصةً للأطفال، إذ إن الدم والموت والقتل الوحشي موجود بغزارة في العمل، منذ اللحظات الأولى. من يشاهد شكل البطل وأصدقائه، مع طبيعة الرسم والألوان الجميلة، قد يُخدع بأن الجو العام هو جو طفولي/شبابي على أبعد تقدير. ولكن الموضوع أبعد من هذا بكثير، وهذه النظرة قاصرة للغاية. فهناك «هيسوكا مورو» الذي يرتدي ملابس شبيهة بالمهرجين، هو واحد من أقسى القتلة وأكثرهم شراً، ناهيك بالعديد من الشخصيات التي تبدو جميلة من الخارج، ولكنها تخفي شراً كبيراً بداخلها. سرعان ما تتعقّد المسابقة مع كل مرحلة من تطوّر السباق، وصولاً إلى حصول جون على رخصة الصيد. لاحقاً تتعقّد الأمور أكثر، مع الغوص في تفاصيل عائلة «كيلوا» بعدما فشل كيلوا في الحصول على «إذن الصياد» الخاص به وتصارع مع شقيقه «إليومي زولدياك» وبقية عائلته، فيما كورابيكا (في الجزء الثالث) يغرق في صراع بين المافيا وعصابة «العناكب» ورئيسها القوي كرولو لوسيفر. لاحقاً ينتقل الأصدقاء إلى جزيرة «غرييد» وهي لعبة فيديو، لكنّها «واقعية» في الوقت نفسه. وهناك يدخلون في صراعات ليصلوا في الفصل ما قبل الأخير إلى الصراع مع نملات الكيميرا وملكتهم الأم وملكهم ميريوم وحرسه الملكي بيتو وبوف ويوبي. يمتلك كل من جون وأصدقائه قوةً تدعى «النين»، وهذه القوّة مرتبطة بالروح البشرية أولاً، ثم بقوة الحياة الخاصة بكل كائن حي. «النين» تقسّم إلى طاقات وقوى عدّة لا يتعرّف إليها الإنسان إلا بالتمرين والتدرّب، ناهيك بأنّ البعض يولد بها أصلاً أقوى من غيره كجون مثلاً.
إحدى ميزات المسلسل أنّ أبطاله ينكسرون ويفشلون في تحقيق أهدافهم


أشارت مقالة في موقع IGN (موقع أميركي معروف باهتمامه بألعاب الفيديو والمسلسلات المرتبطة بالخوارق والكوميكس والإنمي) إلى أنّ جون «شخصية من الأكثر قبولاً وتحبباً» بالنسبة إلى القراء والمشاهدين. الأمر نفسه أشار إليه الكاتب تشارلز سولومون في صحيفتي «نيويورك» و«لوس أنجليس تايمز» الذي مدح الشخصية «لقوة إحساسها الأخلاقي». من جهة أخرى، أشار كثيرون إلى الشبه الكبير بين شخصية «جون» وشخصية جوكو من مسلسل «دراغون بول» المعروف. حتى إنّ بعضهم أشار إلى أنّ «السايان» (القوة الخارقة في «دراغون بول») تشبه كثيراً قوة جون في المسلسل. إحدى ميزات المسلسل الخارقة التي يمكن اعتبارها من نقاط قوته أن أبطال المسلسل لا «يربحون» على الدوام، بل بالعكس إنهم يخسرون في كثير من المرات. يفشلون في تحقيق أهدافهم، بل ينكسرون ويصابون ويحتاجون إلى الكثير من الوقت حتى يشفوا من جراحهم التي أصيبوا بها من تلك الخسائر. في الوقت نفسه، يسير المسلسل ضمن منطق «الطريق إلى المنزل أجمل من المنزل»، فنجد الإشارات الدائمة إلى أن «الرحلة» أهم من الهدف المقصود. في الإطار نفسه، يهتم المسلسل كثيراً بالمشاعر الظاهرة والباطنة. مثلاً ليس هناك من شرٍ مطلق، ولا خيرٍ مطلق، فجون أحد أبطال المسلسل وأكثر شخصية إيجابية فيه، نجده قاسياً من دون مشاعر حين صراعه مع «بيتو» ويترك مشاعر الغضب والانتقام تتملكه أثناء صراعهما، حتى إنه يهاجم بالكلام صديقه كيلوا حينما يتدخل لإيقافه. في الجو عينه، نجد ملك نمل الكيميرا «ميريوم» الذي يكره كل البشر، ويتلذذ بقتلهم، يقف عاجزاً عن المشاعر التي تصيبه تجاه الفتاة الكفيفة «كوموجي» التي يتعرّف إليها ويُفتن بها. حتى إنّه يستجمع قواه الأخيرة، ويموت بين ذراعيها في مشهدٍ قوي ومؤثر في آنٍ معاً. أمرٌ آخر يُحسب للمسلسل هو فكرة الصداقة التي تدور معظم أحداث المسلسل حولها، وكيف أن الصداقة التي تكوّنت بين جون، وكيلوا ولوريو وكورابيكا هي التي تجعل الجو العام للمسلسل دافئاً على الرغم من قسوة الأحداث وتفاصيل القصّة وحتى العنف الشديد فيها.
مسلسل إنمي مميز، بيعت منه أكثر 84 مليون نسخة (حتى العام الفائت)، ويصنّف كأحد أنجح المسلسلات في مجاله يغوص عميقاً في خبايا النفس الإنسانية، ويخلطها مع الخيال، والتفاصيل الكثيرة، وبالتأكيد الصورة الجميلة.

* Hunter-x-Hunter متوافر على نتفليكس