قبل أيام نشرت المغنية اللبنانية كارول سماحة، على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، كليب أغنية «ستنتهي الحرب»، مشيرة إلى أنّها جزءٌ من «الألبوم الذهبي» الذي يتألّف بالكامل من قصائد للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. لكنّ المفاجأة كانت في كلمات أغنية «ستنتهي الحرب» التي لا ترقى إلى مستوى كلمات درويش البتّة: كلمات مكرّرة، معادة، استهلاكية، وفوق كل هذا «عامة/ شائعة»، ما يخالف ما يكتبه «شاعر الأرض» التخصّصي والدقيق وإن حافظ على رمزيّته الخلابة.
أغنية «ستنتهي الحرب» لا ترقى إلى مستوى كلمات محمود درويش

تكرارية الكلمات في الأغنية، فضلاً عن معانيها الفضفاضة التي تشبه شعراً هاوياً، حرّك «مؤسسة محمود درويش» التي تقدّم نفسها بأنها «صاحبة حقوق الملكية الحصرية» لإنتاج الشاعر الراحل. أشارت المؤسسة في بيانٍ لها (2/3/2023) إلى أنَّ الكلمات المنسوبة إلى محمود درويش في أغنية «ستنتهي الحرب» ليست من أشعاره، إنما من إنتاج مواقع التواصل الاجتماعي، وهي دون المستوى المعروف به شاعرنا. وفي الأغنية، مقطع وحيد مجتزأ من قصيدة درويش هو «وعاد في كفن»، لكن جرى تحريفه واستخدامه في الأغنية. وطالبت المؤسسة الفنانة اللبنانية بحذف اسم الشاعر عن الأغنية. ورغم أنّ المغنية اللبنانية نزعت اسم درويش عن «ستنتهي الحرب» وأصدرت بياناً أولياً عبر محاميها جان قيقانو تؤكد فيه بأن الأغنية ليست لدرويش بل «من التراث العام» و«موجودة على الإنترنت ومنسوبة له»، إلا أنّه كان مطلوباً من سماحة التدقيق ولو قليلاً في الموضوع، فأن تنتج ألبوماً بأكمله عن درويش وتستخدم أغنية رئيسية إعلانية كفاتحة للألبوم من دون تمييز ما إذا كان الشعر لدرويش أم لا، فهذا خطأ يدل على كثيرٍ من الاستسهال. بعدها قررت المغنية مواصلة المواجهة، فأشارت إلى حصولها على أذون من «ورثة درويش» (أي عائلته) بعدما فشلت المؤسسة ــ وفق بيان كارول ــ في إبراز «أي مستند قانوني يثبت أنّها المالك الحصري والوحيد للحقوق والملكية الفكرية للشاعر محمود درويش».
بغض النظر عن الجدل القانوني، فإنّ هذه القضية الشائكة إن مرت مرور الكرام، فإنها ستفتح الباب أمام مئات لا بل آلاف من المغنين لتحوير وتحويل قصائد درويش أو غيره من الشعراء الكبار إلى أهازيج وشبه أغنيات مع «تنتيف» ـــ كما يقولون بالعامية ـــــ القصائد الأصلية واستخدامها ضمن أغنيات لا ترقى إلى مستوى القصيدة أو المغناة الأصلية. أما «مؤسسة محمود درويش» وورثة الشاعر الراحل، فمطلوب منهم الجلوس سوياً احتراماً له ولحفظ تراثه وإرثه، فأن ينشر مثلاً شقيق الشاعر الراحل على صفحته موقفاً بدا أنه يهاجم المؤسسة على مواقع التواصل، فهذا يدعو إلى نتيجته، لا إلى الفعل بحدّ ذاته. هدف هذه المؤسسات في المعتاد –كما في الغرب- حماية تراث «الفنان/ الشاعر/ الكاتب/ الأديب» من التلاعب به والوصول إلى تجربة مثل «ستنتهي الحرب». باختصار، إن وجود هذه المؤسسات ضروري لا بل رئيسي في لحظةٍ ما منعاً من تحوّل النص الأصلي إلى «لعبة».
هل أرادت كارول سماحة أن «تعولم» الأغنية من خلال إضافة الأفارقة إلى الجو العام؟


أدائياً، بدا أداء كارول في المغناة «ستنتهي الحرب» بعيداً تماماً عن أدائها المعتاد: حاولت أن تعطي الألبوم ضجةً كبرى، فصوّرت الأغنية على طريقة الكليب (أخرجه باسل ناصر)، وقد بدا أن هناك جهداً كبيراً في التصوير والشكل الخارجي. وإن كان السؤال فعلياً: لماذا استخدمت في بداية الأغنية شباناً ذوي ملامح أفريقية وطلاء وجه يبدو كما لو أنه «وشوم حرب أفريقية»؟ هل أرادت كارول أن «تعولم» الأغنية من خلال إضافة الأفارقة إلى الجو العام في الإشارة إلى الحرب في القارة السمراء؟ الأمر غير مفهوم. طبعاً كلمات الأغنية هي مأساتها الكبرى، ناهيك بإضافة كورس «الله الله الله» الذي شوّه ما تبقى من كلمات الأغنية إلى ما لا نهاية وحوّلها إلى أشبه بالطقطوقة أكثر من أغنية جادة ملتزمة. لناحية الغناء، تطرح أسئلة كبرى على طريقة تقديم كارول للأغنية واعتمادها في لحظةٍ ما على رفع صوتها والغناء «جواباً» (أي ضمن تقنيات الغناء جواب وقرار). وبالعودة إلى الكلمات، تعاني كارول كما ملحن الأغنية تيسير حداد في طريقة غناء المقاطع الأخيرة منها، فتصبح الأغنية ثقيلة على السمع وعلى الأداء أيضاً خصوصاً في المقاطع الأخيرة «لكنني رأيت من دفع الثمن».
باختصار، سواء أخذت كارول الإذن من «مؤسسة درويش» أم لم تفعل، فهناك أغنية لا ترقى إلى المستوى المطلوب قد أطلقت تحت مسمى خاطئ هو أنها تقع تحت شعر محمود درويش. ولو أنّ الخطأ صُحّح، إلا أنه لا تزال هناك 11 أغنية لم تصدر بعد ولا يعرف إن كانت معدّلة أم أنها فعلياً من شعر درويش.