لا يختلف أحد على أهمية الموسيقى التصويرية في الأعمال الدرامية. التطور الكبير الذي شهده هذا النوع الموسيقي، جنباً إلى جنب مع تطور الدراما السورية، جاء مع بداية تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى يومنا هذا. لكن المراقب لموسم دراما رمضان هذا العام، يخرج بجملة ملاحظات، تتلخص في تكرار وتردّي مستوى ما قدمته أسماء كبيرة في مجال تأليف الموسيقى التصويرية، وصولاً إلى مرحلة «لطش» مقطوعات عربية وعالمية معروفة، وإعادة تقديمها، مع محاولة جاهدة لطمس معالمها وبنيتها المعروفة من خلال توزيع جملها ونوتاتها، على آلات موسيقية مختلفة عن تلك التي كتبها لها مؤلفوها الأصليّون.
هذا ما ينطبق بشكل كامل على الموسيقى التصويرية لمسلسل «حمام شامي» التي وضعها سعد الحسيني. تعمّد المؤلف الموسيقي السوري المعروف بشكل فاضح، تجاهل الإشارة إلى أنّ الموسيقى الرئيسية التي اعتمدها في مجمل مشاهد العمل، ما هي إلا تنويعات وتقسيمات بتوزيعات مختلفة، على واحدة من أشهر مقطوعات «أمير البزق» الراحل محمد عبد الكريم (1911 ـ 1989) التي عزفها الأخير يومياً عند افتتاح بث «إذاعة دمشق» في سنوات عمرها الأولى، قبل وصول تقنيات التسجيل الصوتي إليها! ربما لا أحد يكترث اليوم بحقوق التأليف الموسيقي، في حال رغب أحد المؤلفين في استعارة مقطوعة معينة كما هي، طالما أنّها ستستخدم كخلفية لمشاهد عمل درامي. الحجة دائماً جاهزة ومحضرة مسبقاً: «تأليف وتوزيع موسيقي» كأن تسمية توزيع، تعطي صاحبها الحق كاملاً في استحضار النوتة الموسيقية كيفما يشاء، ونسبها لشخصه. هذا ما حصل أيضاً في الموسيقى التي وضعها الحسيني نفسه للجزء السادس من مسلسل «باب الحارة».

حمل مسلسل «حلاوة الروح» تأثرات واضحة بأعمال المؤلف الأذربيجاني أليهان ساميدوف
من المفترض أنّ العمل ينقل تفاصيل حياة البيئة الشامية في مرحلة تاريخية معينة، ضمن قالب درامي متخيل. هنا يظهر ضعف خيال المؤلف الموسيقي، عندما اعتمد بشكل شبه كامل، على أغنيات العرس الشامي التراثية المعروفة، وطقاطيق جلسات النساء الدمشقيات، معطياً المجال للموسيقيين العاملين معه، بالارتجال على آلاتهم المختلفة، مستعينين بمخزونهم السمعي للمقامات الشرقية، والألحان التراثية الدمشقية. جاءت النتيجة عبارة عن استنساخ مكرر للموروث الشعبي، لا علاقة له باللحظة الدرامية المرافقة. جلّ ما سبق ينطبق أيضاً على الموسيقى التصويرية للأعمال البيئة الشامية التي كثر ظهورها على الشاشة، وباتت لازمة للموسم الرمضاني. يمكن وصف مجمل الموسيقى التصويرية لهذه الاعمال، بالمحاولات العاجزة عن خلق بيئة حية، إذا ما قورنت مع ما قدمه كل من الموسيقار المصري الراحل عمار الشريعي (1948ـ 2012)، والموسيقي عمر خيرت في الدراما المصرية. أعمال حفرت في الذاكرة لنجاح الموسيقى التصويرية في ترك بصمة، وأثر واضح لدى المشاهد، مثل «زيزينا» و«أرابيسك» و«رأفت الهجان» و«الخواجة بعد القادر» و«الجماعة» وغيرها الكثير.
في المقابل، يجنح مؤلفو الموسيقى التصويرية للأعمال الاجتماعية المعاصرة، إلى اعتماد أسلوب أسماء لامعة ومعروفة، سبقتهم في مجال التأليف الموسيقي الدرامي. هذا ما نجده في تجربة المؤلف الموسيقي العراقي رعد خلف الأخيرة، وتعاونه مع المخرج التونسي شوقي الماجري في مسلسل «حلاوة الروح». الاعتماد كان واضحاً بشكل مباشر على المحاكاة والاقتباس من مقطوعات المؤلف الأذربيجاني أليهان ساميدوف، مع استحضار أسلوب الموسيقي المصري المعروف مودي الامام في غياب اللحن أو التيمات الواضحة، والاعتماد على مبدأ المؤثرات السريعة والخاطفة، المتماشية مع الصورة البصرية، واللحظة الانفعالية الدرامية على حد سواء. في المقابل، سيذكر السوريون كثيراً أغنية شارة المقدمة في مسلسل «الحقائب/ ضبّوا الشناتي» للمخرج الليث حجو. نجح المؤلف الموسيقي أياد الريماوي في اختيار كلمات من واقع السوري المعاش اليوم، وحوّلها إلى أغنية تحكي الوجع وهموم المواطن العادي. لكن النجاح الذي حققه الريماوي في هذا العمل، لم يفلح في تكراره في المسلسلين الآخرين اللذين شارك في صناعتهما وهما: «لو» للمخرج سامر البرقاوي، و«قلم حمرة» للمخرج حاتم علي. يمكن تقسيم اللحظة الموسيقية إلى لون وفكرة وتكريب. والمؤلف المبدع هو من ينجح في ابتكار العناصر الثلاثة بالكامل. ربما هذا ما لم يتوافر لدى الموسيقى التي وضعها الريماوي لمسلسل «قلم حمرة». كان واضحاً أنّ الريماوي استحضر التركيب الموسيقي من عوالم التانغو للمؤلف الأرجنتيني أستور بياتزولا (1921ـ 1992). أما اللون الذي اختاره أيضاً، فقد جاء من عوالم الموسيقى الفرنسية الفولكلورية التي حضرت درامياً بقوة في فيلم «المصير الرائع لأميلي بولان» للفرنسي جان بيار جونيه. هنا فشل الريماوي في إيجاد معادل بيئي درامي نفسي في الوقت نفسه، يساعد المتلقي المتابع للعمل، في الدخول في تفاصيله موسيقياً. الحال لم تختلف كثيراً في الموسيقى التي وضعها الريماوي لمسلسل «لو» حين استحضر أسلوب وتقنية الأفلام الهوليودية نفسها التي أعدت حكاية العمل عنها. هنا برز بشكل واضح اعتماد الريماوي على موسيقى التقينة المسجلة بواسطة أجهزة الكومبيوتر، مع إضافة بعض مقاطع العزف المنفرد المكررة، ما أضاف أجواء من الملل والرتابة الموسيقية، على تلك التي رافقت العمل منذ بدايته حتى اللحظات الأخيرة منه.