مهما تغنّى الغرب بالديمقراطية وحرّية التعبير وحرّية الإعلام، فالثابت أنّ وسائل الإعلام البديلة المناهضة له ولسياساته لطالما تعرّضت، مع صحافيّيها، للتهديدات والمضايقات ومحاولات الإسكات وتجفيف مصادر التمويل، ولو كان الطرفان من الجنسية نفسها. وحتى من دون استهدافها، فهي تعاني من الضعف بشكل عام، نظراً إلى وضعها في منافسة مع وسائل إعلامية ضخمة لا تُعدّ ولا تُحصى تعود ملكيّتها إلى حيتان مال وشركات كبرى ذات مصالح مشتركة مع الدولة العميقة في الولايات المتّحدة وأجهزة الاستخبارات واللوبي الإسرائيلي ومراكز الأبحاث ولوبيات شركات النفط والأسلحة والأدوية، بالإضافة إلى الحكومات الغربية الأخرى والناتو والمنظّمات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها. مع بروز ظاهرة «الإعلام الجديد»، جنّدت الحكومات والمنظّمات الغربية مجموعة من المنصّات «المستقلّة» في حروبها الناعمة لخدمة مصالحها، مستفيدةً أيضاً من علاقاتها مع شركات مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية. مع ذلك، استطاع بعض الصحافيين الغربيين فتح كوّة في الجدار واستحداث منصّات «إعلام جديد» مناهضة للإمبراطورية تقارع حرب المعلومات «من الداخل»، وباللغة الإنكليزية. وهي إن واجهت مشاكل جمّة، إلّا أنّها تمكّنت من إحداث فرق في المشهد العام في الغرب اليوم. لذا نستعرض في ما يلي بعضاً منها. علماً أنّ ما اخترناه من منصّات خضع لشروط أن تُعتبر من «الإعلام الجديد»، وأن توجد غرف تحريرها في الغرب وأن تكون ناطقة بالإنكليزية.
(بوليغان ـ المكسيك)


BreakThrough News
الولايات المتحدة

قد تكون «بريكثرو نيوز» اليوم أكثر المنصّات انتشاراً بين «الإعلام الجديد» المناهض للولايات المتحدة. يهتمّ الموقع الأميركي بتقديم محتوى عالي الجودة على مواقع التواصل، ويُعنى بالعدالة الاجتماعية وشؤون المهمّشين، سواء أكانوا من الطبقة العاملة في الولايات المتحدة أم من ضحايا الإمبريالية حول العالم. لا يقبل «بريكثرو نيوز» أيّ تمويل من الشركات أو المؤسّسات الحكومية، بل يقول إنّه يحصل على التبرّعات من المشاهدين والداعمين والمؤسسات ذات الرؤية المتطابقة. «تهيمن خمس شركات عملاقة على المشهد الإعلامي (الأميركي)، تتحكّم بـ90% ممّا نقرأه ونشاهده ونسمعه، وحلقة أخبار تجبر مواقع التواصل وحتى معظم وسائل الإعلام «البديلة» على الاستجابة إليها» وفق ما جاء في الموقع. «نحن نخترق تلك الحلقة، ونسرد القصص غير المروية عن المقاومة من المجتمعات الفقيرة والطبقة العاملة». «الخرق» كلمة استوحى منها الموقع اسمَه، وهو يضمّ أسماء كالناشط ضدّ الحروب والكاتب يوجين بوريير، والصحافية رانيا خالق، والصحافي بن بيكر.


The Grayzone
الولايات المتحدة

«ذا غرايزون» موقع إلكتروني يساري أميركي يُعنى بالصحافة الاستقصائية والوثائق المسرّبة، أسّسه الصحافي ماكس بلومنتال الذي يرأس تحريره، ويضمّ الصحافي آرون ماتي (ضمّ سابقاً بن نورتون)، ولديه صفحات على مواقع التواصل تنشر عناوين مقالاته وبعضاً من مضمونها. قد تكون «ذا غرايزون» المنصّة الأكثر تعرّضاً للهجوم من الولايات المتّحدة ووسائل الإعلام التابعة لحكومتها. حتى الصفحة الخاصّة بها على «ويكيبيديا» تشوّه صورتها وتعتبرها منبراً للأخبار الكاذبة وداعمة للأنظمة «الأوتوقراطية». السبب بسيط، هو أنّ الموقع يعرّي السرديات الأميركية بكلّ أشكالها، ويبرز السياسة الأميركية حول العالم على حقيقتها، في سوريا ونيكارغوا وإيران والصين وأوكرانيا وغيرها. في الحقيقة، لا يُظهر الموقع دعماً لأيّ من أنظمة الدول المذكورة، بل لشعوبها، وهنا بيت القصيد؛ مثلاً، فضح العقوبات الأميركية التي تطاول إحدى هذه الدول، كفيل بأن يعرّضه لحملة ضخمة من وسائل الإعلام المهيمنة التي تحرّكها الشركات، التي بدورها ينتقدها «ذا غرايزون» بشدّة. يوفّر الموقع مساحة للأصوات التي لا تحظى بشكل عام بالمساحة التي تستحقّها في الإعلام.

Empire Files
الولايات المتحدة

«ملفّات الإمبراطورية» سلسلة محتوى مصوّر أطلقتها الصحافية الاستقصائية الأميركية آبي مارتن، وهي تلقي نظرة معمّقة على الجانب المظلم للإمبراطورية الأميركية. قد يبدو غريباً أن تكون السلسلة التي تنتجها «تيليسور» الإنكليزية على هذه القائمة، لكنّ الغرابة تزول عند معرفة أنّها تُعرض على يوتيوب، ما يجعلها أداة فعّالة ضمن «الإعلام الجديد». في «ملفّات الإمبراطورية» مقابلات وشهادات وتقارير ميدانية من أنحاء العالم، بما في ذلك أميركا اللاتينية وغرب آسيا. في كلّ حلقة، تستكشف مارتن التأثيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للإمبريالية الأميركية، من انقلابات وعقوبات إلى دور الشركات المتعدّدة الجنسيات في خلق اللامساواة وإدامتها. لدى مارتن تاريخ في فضح فساد الشركات والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، ولطالما كانت صوتاً ثابتاً في الكفاح ضدّ الإمبريالية، إذ دافعت عن حقوق الإنسان على المستوى العالمي وجعلت مهمّتها زيادة الوعي حول المخاطر التي تشكّلها السياسات الأميركية وجرائم الشركات.


The Intercept
الولايات المتحدة

«ذا إنترسبت» مؤسسة إخبارية أسّسها الصحافيون الأميركيون غلين غرينوالد وجيريمي سكاهيل ولورا بويتراس من أجل «محاسبة الأقوياء من خلال صحافة جريئة»، وهي تغطّي مجموعة واسعة من المواضيع، مثل المراقبة الداخلية والأمن القومي وقوة الشركات والسياسة الخارجية. لدى «ذا إنترسبت» موقع إلكتروني وصفحات فعّالة على مواقع التوصل، وهي تصدر قصصاً استقصائية وصحافة بيانية، بالإضافة إلى البودكاست والأفلام الوثائقية.


The Juice Media
أستراليا

«ذا جوس» منصّة إعلامية أسترالية مستقلّة، تنشر محتوى ساخراً ينتقد الرأسمالية في أستراليا وخارجها، عبر سلسلة «إعلانات حكومية صريحة». وفي المقاطع ذات مستوى الإنتاج المتقدّم، تظهر إحدى المقدّمات في المنصّة على أنّها المتحدّثة باسم حكومة معيّنة كالأسترالية أو البريطانية أو الأميركية أو الإيطالية أو غيرها، وتقول كلّ ما لا تقوله تلك الحكومات صراحة، بما في ذلك فضح ملفّات فساد وأكاذيب وأسرار. اشتهرت المنصّة بشكل خاصّ بعد إنتاجها «إعلاناً حكومياً صريحاً» حول قضية جوليان أسانج، إذ سخرت من كلّ من له علاقة باحتجازه. غالباً ما تجمع «ذا جوس» كلّ المعلومات حول الموضوع في مقطع واحد، وترفقه بعناوين صحف وتأثيرات بصرية وعوامل أخرى تضفي طابعاً كوميديّاً. ويمكن للمشاهد أن يتعلّم الكثير حتى عن مواضيع لم يكن يعرف عنها شيئاً، في غضون دقيقتَين أو ثلاث فقط. تمويل المنصّة من تبرّعات جمهورها الكبير الآتي من مختلف دول العالم، وهي تنشر محتواها على فايسبوك وإنستغرام وتويتر ويوتيوب.

Declassified UK
المملكة المتحدة

يعني اسم موقع «ديكلاسيفايد» رفع السرّية، وهو تماماً ما يقوم به الموقع البريطاني في ما يتعلّق بدور المملكة المتّحدة الحقيقي حول العالم. فالموقع الذي ينشر أيضاً على منصّاته على مواقع التواصل، يقوم بصحافة استقصائية تهدف إلى تتبّع تأثيرات سياسات المملكة المتّحدة الخارجية والعسكرية والاستخبارية حول العالم. ويفضح «ديكلاسيفايد» أموراً كثيرة مهما صغر أو كبر حجمها.


Stay Free
المملكة المتحدة

كما «ديكلاسيفايد»، يبرز برنامج «اِبقَ حرّاً» الذي يقدّمه الممثل والكوميدي والناشط البريطاني راسل براند على منصّة «رامبل»، دور المملكة المتحدة في العالم، بالإضافة إلى دور الولايات المتحدة وشركات الأسلحة والأدوية وغيرها في إلحاق الضرر بالبشر. غالباً ما يكون براند أوّل من يعلّق على الأخبار فور ورودها ويحلّل بطريقة صائبة، ويهتمّ بالأخبار التي لا تعطيها وسائل الإعلام المهيمنة أهمّية. ينتقد براند دائماً النظام النيوليبرالي، وفي هذا السياق يفضح محاولات إدخال النيوليبرالية إلى أوكرانيا وخصخصة قطاعاتها تحت شعار الدفاع عن البلاد، فيما النتيجة المزيد من التدمير لمجتمعها. وينشر براند أيضاً مقتطفات من برنامجه على صفحتَيه على إنستغرام ويوتيوب.


The Jimmy Dore Show
الولايات المتحدة

في البودكاست الأسبوعي الذي يحمل اسمه ويُعرض على يوتيوب وستيتشر، يغطّي الكوميدي والمعلق السياسي الأميركي جيمي دور، المعروف بانتقاده سياسات الدولة العميقة، مجموعة واسعة من المواضيع السياسية والاجتماعية. يغوص دور وفريقه من الكتّاب في عمق عبثية المشهد السياسي الأميركي، ساخرين من كلا الحزبَين المهيمنَين في الولايات المتحدة. وفوق ذلك، يهتمّ جيمي دور بالسياسة الخارجية الأميركية، وهو من أشدّ المعارضين لها كما للحروب التي تتسبّب بها، وآخرها في أوكرانيا.


Soapbox
الولايات المتحدة

رغم أنّها توقّفت عن النشر، إلّا أنّ منصّة «Soapbox» (تعني «المنبر») الأميركية اليسارية المعادية للإمبريالية تركت وراءها محتوى قيّماً يتضمّن نقداً للحروب الأميركية، و«ميمز» (منشورات سياسية ساخرة)، وتصريحات لمسؤولين غربيين تفضح أدوار حكوماتهم ولا تحظى بالتغطية في الإعلام، ومنشورات «تصحّح» أخباراً كاذبة نشرتها وسائل إعلام غربية، وملفّات ومقاطع تقدّم شرحاً مفصّلاً لمحطّات تاريخية عدّة من منظور بعيد عن السائد، وإضاءات على المهمّشين في الولايات المتحدة كما في العالم، وغيرها. المنصّة التي اعتمدت على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أساس، كانت مملوكة لشركة Maffick LLC وتتعاون مع وكالة «رابتلي» الروسية، ما تسبّب لها في مشاكل قبل أن تتوقّف عن النشر. تولّت CNN ذات يوم دور «المخبر» حيث أعدّت ملفّاً كاملاً حول الشركة وصفحاتها بما فيها «Soapbox»، مدّعيةً أنّ الأخيرة تنشر «بروباغندا روسية» وتحاول التوجّه نحو الجيل الشاب وتحديداً المؤيّدين للحزب الديمقراطي من أجل خلعهم عن الحزب ودفعهم نحو أقصى اليسار. الأمر استدعى وضع فايسبوك (ومعه إنستغرام) شارةً تحت اسم الصفحة تحذّر من أنّها «تتحكّم بها الحكومة الروسية» في ازدواجية واضحة للمعايير، فأقامت الشركة المالكة دعوى قضائية ضدّ فايسبوك وطالبته بالتعويض عن الضرر الذي ألحقه بسمعتها لكن من دون جدوى، وقام كلّ من تويتر وتيك توك ويوتيوب بإجراء مماثل لفايسبوك. استمرّت الصفحة بالنشر حتى وقوع الأزمة الروسية الأوكرانية عندما قرّرت مالكتها أنيسا ناواي قطع العلاقات مع «رابتلي»، ولو أنّ الصفحة أدانت كلّاً من روسيا والناتو قبل ذلك. لا يُعرف ما إن كانت «Soapbox» ستعود إلى النشر في المستقبل، لكنّ منشوراتها لا تزال متاحة تحوي معلومات يصعب إيجادها في أماكن أخرى.


Redfish
روسيا

«ريدفيش» منصّة محتوى رقمي شيوعية الهوى، تنتج أفلاماً وثائقية قصيرة ومتعمّقة حول النضالات الشعبية في أنحاء العالم بهدف «بناء بديل للنظام الرأسمالي الحاكم». غالباً ما تكون منشورات «ردفيش» حول قادة شيوعيين واشتراكيين سابقين أو حاليين وثوراتهم وإنجازاتهم، بالإضافة إلى أخبار راهنة، ولا سيّما ما يتعلّق منها بانتقاد الرأسمالية والإمبريالية. تعود ملكية المنصّة إلى «رابتلي» الروسية، ما جعلها توسم بعبارة «تتحكّم بها الحكومة الروسية» كما «Soapbox»، رغم أنّها مستقلّة تحريريّاً وهو ما يبدو واضحاً في هويتها الشيوعية التي تبتعد عن إيديولوجيات الحكومة الروسية الحديثة، عدا بعض المنشورات التي تتضمّن نقداً علنيّاً لروسيا. وباءت كلّ محاولات إثبات عكس ذلك بالفشل، بل حازت المنصّة جوائز لعملها.


Peoples Dispatch
الولايات المتحدة

«بيبلز ديسباتش» (بمعنى «رسالة الناس») – «The Dawn» سابقاً – موقع أميركي يهتمّ بأصوات المستضعفين، ويشجّع الحركات الشعبية حول العالم على إرسال أخبار من بلادهم باللغات الإنكليزية والإسبانية والبرتغالية والهندية، علماً أنّ المحتوى يُقدَّم بالإنكليزية والإسبانية. يقول القائمون على الموقع الذي يملك منصّات على إنستغرام ويوتيوب وتلغرام، إنّ مشروعهم «الإعلامي الدولي سعى منذ تأسيسه إلى التأكّد من ألّا تقتصر تغطية أخبار العالم على خطابات السياسيين وسرديات ثروات الشركات الكبرى، بل إلى أن تشمل أيضاً تنوّع التحرّكات في أنحاء العالم».


Shout Politics
الولايات المتحدة

«شاوت بوليتيكس» منصّة اشتراكية أميركية على فايسبوك وإنستغرام وتويتر، تهتمّ بشكل خاصّ بشؤون العدالة الاجتماعية في الداخل الأميركي، وفي هذا السياق تنشر أقوالاً وتغريدات لرأسماليين ويمينيين أميركيين مثيرةً السخرية، في محاولة منها لإظهار هشاشة أفكارهم و«فضح أحقادهم» كما تقول.

MOATS
المملكة المتحدة

«موتس» هو اختصار لـ«أمّ جميع البرامج الحوارية» (Mother of All Talk Shows)، وهو بودكاست يقدّمه النائب البريطاني السابق جورج غالواي مباشرةً على يوتيوب مساء كلّ أحد ويستعرض فيه أبرز أحداث الأسبوع من نظرة يسارية ناقدة للسياسات الإمبريالية، فيما يقدّم مساء كلّ أربعاء حلقة خاصّة بالأخبار البريطانية فقط. ويستضيف غالواي أشخاصاً لا تعطيهم الوسائل المهيمنة حيّزاً، بالإضافة إلى أخذه اتّصالات المشاهدين والمستمعين على الهواء.


رانيا خالق: شركات التواصل الاجتماعي في خدمة «المجلس الأطلسي»

رانيا خالق كاتبة وصحافية وناشطة سياسية أميركية من أصول لبنانية، تعمل حالياً كمراسلة «بريكثرو نيوز» في الشرق الأوسط، سبق أن ظهرت في مقاطع مصوّرة على «Soapbox»، بالإضافة إلى أعمالها على منصّات مثل «ذا غرايزون» و«ذا إنترسبت» و«صالون» و«الانتفاضة الإلكترونية» وCommon Dreams وTruthout و«الجزيرة» وغيرها. تدافع خالق بصراحة عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وتنتقد السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وتنقل الأخبار التي تتجاهلها وسائل الإعلام الرئيسية، وهي بذلك نقلت وجهة نظر المستضعفين إلى عدد كبير من الناطقين بالإنكليزية. بناءً على ما سبق، كانت رانيا خالق الشخص المثالي للسؤال عن واقع منصّات «الإعلام الجديد» المناهضة للإمبراطورية.



كيف يمكنك وصف مشهد «الإعلام الجديد» المناهض للإمبراطورية في الغرب؟ هل هو فعّال، خصوصاً مع الانتشار والتمويل الهائلَين اللذيْن تتمتّع بهما المؤسسات الإعلامية الموالية للولايات المتحدة؟
- إنّه سؤال جيّد. في الولايات المتحدة حفنة من وسائل الإعلام المناهضة للإمبريالية، واحدة هي «بريكثرو نيوز» التي أعمل لديها، لكنّ عددها قليل. هناك مشهد إعلامي بديل كبير ذو نزعة يسارية، لكنّ بعضه لا يركز فعليّاً على السياسة الخارجية، فلا يتّخذ مواقفَ بشأن قضايا السياسة الخارجية المهمّة، وإن فعل فيكون خجولاً في تناول أمور مثل العقوبات وطريقة شيطنة الحكومات التي لا تستسيغها الولايات المتحدة، فيصفها بالسلطوية وأمور مماثلة. على الرغم ممّا سبق، أعتقد أنّ وسائل الإعلام المناهضة للإمبريالية الأصغر حجماً، مثل «بريكثرو نيوز»، يمكن أن تكون فعّالة لأنها، كما يمكن تحسّسه من صفحاتنا على مواقع التواصل، تقدّم زاوية مختلفة قادرة على تغيير الآراء. وأعتقد أنّ القيام بذلك اليوم في الولايات المتحدة أسهل منه في مكان مثل أوروبا، حيث أصبحت غالبية اليسار مؤيدة جدّاً لـ«حلف شمال الأطلسي». لكن بالطبع نعاني من فروق في التمويل، إذ إنّنا ننافس كلّ هذه المنافذ المموّلة من الشركات الكبيرة وأصحاب المليارات التي تحصل على مبالغ مالية غير محدودة، فيما نعتمد نحن على المتبرّعين والمشاهدين والقرّاء وما شابه. لذلك، نحن بالتأكيد في وضع أضعف، لكنّني لا أعتقد أنّه يجب إقناع جميع السكان الأميركيّين بوجهة نظرك. برأيي أنّه حتى لو تمكّنت من إقناع عدد قليل من الناس، فالأمر يستحقّ، ولو أنّها معركة شاقّة.

ما الصعوبات التي واجهتِها أنت أو المنصّات التي عملتِ معها، خصوصاً مع محاولة الحكومة الأميركية إسكات أي شخص يجرؤ على دحض خطابها، مستغلّةً في ذلك علاقاتها مع عمالقة التواصل الاجتماعي؟
ــــ صحيح أنّ الحكومة الأميركية ووزارة الخارجية والبنتاغون وحتى «مكتب التحقيقات الفيدرالي»، ترتبط بعلاقة وثيقة مع شركات التواصل الاجتماعي في وادي السيليكون التي تملك منصّات مثل فايسبوك وتويتر وإنستغرام ويوتيوب. نتيجةً لذلك، نعلم أنّ الأولى تساعد في التأثير على ما يُعتبر «معلومات مضلّلة»، وهناك خوارزميات تُستخدم لقمع تلك المعلومات أو فرض الرقابة عليها. المشكلة أن لا شفافية حول هذه الخوارزميات ولا شروط محدّدة حول ما يشكّل «معلومات مضلّلة». ما نعرفه أنّ هناك مجموعات مثل «المجلس الأطلسي» (Atlantic Council)، وهو مركز أبحاث في واشنطن يتلقّى تمويلاً من الخارجية الأميركية، بالإضافة إلى مجموعة من شركات الأسلحة و«حلف شمال الأطلسي» وعدد من دول الخليج، وفي مجلس إدارته الكثير من المسؤولين السابقين في «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (FBI) و«وكالة المخابرات المركزية» (CIA). لذا، فإنّ «المجلس الأطلسي»، بدلاً من الحكومة الأميركية، يقدّم المشورة لشركات التواصل الاجتماعي بشأن ما يشكّل «معلومات مضلّلة»، أي أنّه بمثابة رجل الوسط الذي يمكّن الشركات المذكورة من الالتفاف حول مسألة حرّية التعبير، لكنّنا لا نعرف ما الذي يخبره لفايسبوك وتويتر. كلّ ما نعرفه أنّ هناك تلك الخوارزميات التي يبدو أنّها تمنع محتوى معيّناً، في وقت ترفع فيه من شأن محتوى إعلام الشركات (corporate media) وحتى المحتوى ذات النزعة اليمينية، لكن لا يمكن إثبات الأمر. مع ذلك، نعلم من ملفّات تويتر أخيراً أنّ هناك أيضاً صلة مباشرة بين الحكومة الأميركية وبين إخبارها المنصّة المذكورة، مَن وما الذي يشكل «معلومات مضلّلة» وما يجب إزالته. ليس واضحاً ما يجري وراء الكواليس بالتحديد، لكن نعلم بحدوثه. بالطبع، يمثّل هذا الأمر تحدّياً كبيراً في الوصول إلى الناس، لأنّه إذا كان لديك خوارزميات أو حتى أشخاص حقيقيون يقومون بقمع مقاطع الفيديو التي تنتقد «حلف شمال الأطلسي» أو حرب الوكالة في أوكرانيا أو العقوبات على سوريا أو فنزويلا، فذلك يضعك في موقع الأضعف.

هل التحوّل نحو منصّات أخرى لا تضع قيوداً، مثل «تلغرام»، أثبت فعّاليته أم أنّه غير مُجدٍ؟
ـــــ أعتقد أنّه من السابق لأوانه معرفة مدى فعّالية الاتّجاه نحو منصات أخرى، من عدمها. بالتأكيد، من المهمّ أن تكون على أكبر عدد ممكن من المنصّات بحيث إذا تعرّضت للرقابة من إحداها، تبقى لديك القدرة على التواصل عبر منصّات أخرى. لذلك أعتبر أموراً مثل التحوّل إلى «تلغرام» مفيدة. على سبيل المثال، انتقل الكثير من الحسابات ووسائل الإعلام الروسية إلى «تلغرام» بعد خضوعها للرقابة على إنستغرام وتويتر، ولا سيّما في أوروبا. لكن لا أدري إن كان هذا حلّاً على المدى الطويل. أكرّر القول إنّها معركة شاقّة، لأنّ لديك هؤلاء الأوليغارشيين الذين يموّلون عمالقة التواصل الاجتماعي، وهم مرتبطون بالحكومة الأميركية والبنتاغون واليسار (بتعريفه الأميركي). وكما هو معلوم، لا يملك المناهضون للإمبريالية والدول المعادية للإمبريالية القدرَ نفسَه من الموارد لإنفاقها على إنشاء مواقع تواصل مماثلة. لذا علينا استخدام كلّ ما في وسعنا استخدامه وأن نأمل في الأفضل. ويجب أن يكون هناك المزيد من تبادل الأفكار حول كيفية بناء منصّاتنا الخاصّة من دون ملياردير يدعمها. إنّه سؤال كبير لا أملك إجابة عليه، لكنّه حديث مهمّ.

هل تعتقدين أنّ المنصّات المناهضة للإمبراطورية سيكون لها دور أكبر في المستقبل؟
ــــ نعم، أعتقد بكلّ تأكيد أنّها ستظلّ موجودة وأنّه سينشأ المزيد من المنافذ المعادية للإمبريالية، كما كانت الحال دائماً، إذ لطالما وُجدت وسائل إعلامية بديلة، وبرأيي ستستمرّ في الوجود. أتمنّى أن تبقى «الأخبار» و«بريكثرو نيوز»، لكن ليس لديّ أدنى شكّ في أنه سيكون هناك دائماً وسائل إعلامية بديلة تدفع ضدّ الحرب وضدّ الإمبريالية.