كأنّه لم يكن ينقص سكّان لبنان والمنطقة رعب وصدمة أعقبا سلسلة الزلازل التي ضربت المحيط، حتى شمّر بعض وسائل الإعلام عن زنوده ليزيد الطين بلّة. بدلاً من تحمّل المسؤولية المهنية والأخلاقية في تهدئة النفوس والتوعية وشرح التفاصيل العلمية، شرعت الوسائل المذكورة في صبّ الزيت على النار عبر توتير الناس وتخويفهم من زلازل «مدمّرة» محتملة، بالإضافة إلى «الألاعيب» الإعلامية مثل استغلال خوفهم لدفعهم إلى الضغط على رابط يأخذهم إلى موقع الوسيلة.قد يكون جيّداً «التخويف» بمستويات محدّدة، لحثّ بعض «المستهترين» على التحرّك واتخاذ الاحتياطات اللازمة حمايةً لسلامتهم وسلامة غيرهم، لكنّ ما يقوم به بعض الإعلام الإلكتروني تخطّى الحدود بعدم احترامه أيّ أخلاقيات وخصوصيات إنسانية بحتة، وبات يبالغ حتّى أكثر من بعض مجموعات الـ«واتساب» المعروفة بنشر أخبار كاذبة أو مضلّلة أو محرّفة بهدف زرع الرعب في النفوس. قد يصحّ على ما يحصل نظرية الغرس الثقافي (cultivation theory) التي تقول إنّ مَن يتعرّضون كثيراً للتلفزيون (أو العالم الافتراضي في هذه الحالة) لا يرَون عالماً خارج هذه الحدود، ويظنّون أنّهم يعيشون في كوكب مظلم ومخيف، وهذا ما تنكبّ القنوات والمواقع على تحقيقه.
هكذا مثلاً، نشر موقع «ليبانون ديبايت» تغريدة عقب الزلزال الذي ضرب قبالة شواطئ صيدا في 20 شباط (فبراير) الماضي، تحت عنوان «هزّة تضرب لبنان فجراً.. كم بلغت قوّتها؟!» مع رابط إلى الموقع، قبل أن يتبيّن أنّ الخبر لا يتعدّى السطور الثلاثة، فقط للقول إنّ قوّته كانت 4 درجات! أي إنّ الموقع استغلّ حالة الناس النفسية من أجل إدخالهم إلى صفحاته، وخوّفهم من زلزال درجة قوّته لا تسبّب أضراراً، فكيف إذا وقع على بعد أكثر من ستّين كيلومتراً عن الشاطئ.
أمّا الهستيريا فتضرب حالياً موقع «التيار» (tayyar.org) الذي يتكفّل يومياً بنقل كلّ «نفخة» زلزالية حول العالم منذ الزلزال التركي، ولو حصلت في عرض المحيطات، أي إنّه يستغلّ حالة الخوف العامّة لتوتير الناس والقول لهم بشكل مبطّن «إنّها نهاية العالم»! بحث صغير لاسم الموقع مع عبارة «زلزال»، يُظهر عشرات النتائج من عناوين نشرَها عن زلازل بعضُها في إندونيسيا ونيويورك والمحيط الهندي وغيرها من مناطق بعيدة عن المتوسّط، قوّتُها قد لا تتعدّى الدرجات الخمس أي إنّها طبيعية ولا تختلف عن حال كوكب الأرض منذ مئات ملايين السنين. وفوق ذلك، يمكن ملاحظة أنّ جميع نتائج البحث مؤرّخة بعد زلزال السادس من شباط، أي إنّ الموقع لم يكن ينقل أخبار الزلازل العالمية «الخفيفة» قبل ذلك، لذا لا يمكن وضع نقله لها في خانة تغطيته جميع أخبار العالم. لم يكتفِ الموقع بكلّ ذلك، فحذا أول من أمس حذو «ليبانون ديبايت»، معنوناً «مجدّداً.. زلزال يضرب تركيا وهذه قوته!»، قبل أن يورد درجته التي لم تتعدَّ الستّ على مقياس ريختر ضمن خبر منقول عن «روسيا اليوم» لكن بعنوان مغاير يتماشى مع متطلّبات التَوتير.