يقدم منصور الهبر (بيروت ـ 1970) حواراً بين المرئي وغير المرئي في معرضه Beau Négatif الذي يضمّ عدداً من الأعمال المغرقة في البقع اللونية المبعثرة في تناغم ما، عند الحدود الجليّة وغير الجليّة. الأشكال مسطحة، حادّة، أو معلّقة في فضاء اللوحة، وفي كل ركن من أركانها إلماعة بصريّة مختلفة تخضع في النهاية لأسلوب الفنان في جمع العناصر الملوّنة والمشلّعة. وكلّما أطلنا التحديق إلى لوحته، تبدّى لنا امتزاج التجريد بالواقعية. تجهد العين أمام لوحات الهبر إلى إدراك ما لا يُحصى من المكوّنات، واللغة البصريّة المعقّدة فنّياً وتعبيريّاً التي تفرضها التنسيقات والموادّ المستخدمة. بيد أنه يتسرّع قليلاً في صوغ المساحات الملوّنة، مستعيناً بأسلوب الكولاج، موظّفاً الخامات المتنوّعة لتشكيل لوحته، من ألوان الأكريليك إلى الأقلام والأحبار وقصاصات الورق، مازجاً الرسم الصريح والتجريد اللونيّ في رؤى صاخبة مليئة بالحذف والإضافة وخدش الأسطح.
«لذة سلبية» (مواد مختلطة على كانفاس ـ 116 × 89 سنتم ـ 2022)

العلاقات المتناقضة بين العناصر والأدوات خيط موصول في لوحاته، تحجب لطخات الطلاء الفجّة كطبقات من اللون تفضي إلى تكرار «المشهد». الفجوات تفصل بين كتل الألوان، وكلّ طبقة تشير إلى طبقة أسفلها. وفي تتابع الحواف وضربات الفرشاة تفاعل غريب يمنح إحساساً بالوهم. التكرار لديه سمة تغلب الإضافة، وتراكم الطبقات يُفقد العناصر تماسكها، وهذا جانب سلبيّ ناجم عمّا يشبه التسرّع والمباشرة والارتجال وانعدام الوحدة.
يبدو منصور الهبر في بعض لوحاته مطلقاً لفرشاته حرّية التعبير الفَرِح، إذ يكثر من الألوان التي تخلق تنافراً في البناء السرديّ. لوحاته هجينة، غير منصهرة في مناخ تشكيليّ واحد، فيطغى التكرار، رغم وفرة الخامات والأدوات. ثمة افتعال وسرعة وعشوائية. صحيح أننا نلمح بيُسرٍ شخوصاً تمارس حياة عادية، في جلوس أو حركة، مراقبة أو تأمّل، إنّما تظهر كأنّها أُقحمت على عجل لتحضر في «الاسكتش» أو التكوين السريع .
نلمح بين اللوحات المعروضة بعض اللوحات المتجانسة لوناً وموضوعاً، إلا أن الانطباع العام الذي نخرج به من معرض منصور الهبر أنّه يحدث «اشتباكاً» بصرياً بين اللوحة والفراغ المحيط بها حيث التجويفات التي لا تفتح نوافذ على اللوحة أو إيحاءً أو نظرة بنيويّة تشدّ اللون إلى الخطّ وما بينهما.
اللوحة التجريدية في أعماله هي البقع المتوازنة التي تنتقل من بقعة إلى أُخرى مفعمة باللون، كثيفة، مشرقة، غنائية، منمنمة ومتفجّرة. لكن ذلك لا يخفي مهنيةً وسيطرةً على الأسلوب ولا يعدم اللوحات ميزتها خصوصاً تلك المضافة لا المكرّرة.

* Beau Négatif: حتى 18 آذار (مارس) ــ غاليري Art on 56th (الجميزة ــ بيروت). للاستعلام: 01/570331