تعلّق إحدى المغرّدات على وفاة الكاتب مروان نجار (1947 ـــــ 2023)، مستذكرةً أحد اللقاءات التي جمعتها بالراحل: «في إحدى المرّات التقيت به، سألني عن اسمي قلت له ديالا». سكت قليلاً ورسم ابتسامة على وجهه، مجيباً: «كلّ اللي إسمن ديالا تسمّوا بسببي»» في إشارة إلى مسلسله «ديالا» (كتابته وﺇﺧﺮاﺝ أنطوان ريمي) عُرض عام 1977 على «تلفزيون لبنان»، وكان وراء انتشار ذلك الاسم بين الفتيات. العمل لعبت بطولته الفنانة الراحلة هند أبي اللمع، أنطوان كرباج، أحمد الزين، فؤاد شرف الدين، إيلي ضاهر والراحل إبراهيم مرعشلي. يروي المسلسل قصة فتاة تُدعى ديالا تهرب من عائلتها وتعيش في قرية، فيتزوجها صاحب مزرعة. بعد انشغال زوجها بعمله، تتقرّب ديالا من ابن شقيقه، وسرعان ما تبدأ أصابع الاتهام تشير إلى ديالا بالخيانة وتبدأ معاناتها الحقيقية. كان «ديالا» عزيزاً على قلب نجّار، لأنه بمثابة النجاح الأول في عالم كتابة المشاريع التلفزيونية وكان مشروعاً متكاملاً، حتى إنّ شارته حقّقت نجاحاً لافتاً وكتبها نجار ولحّنها الراحل الياس الرحباني.

أول من أمس، طوى نجار الصفحة الأخيرة من رحلته عن عمر ناهز الـ 76 عاماً بعد معاناته مع المرض. يتحدّر نجار من قرية بشمزين (قضاء الكورة/شمالي بيروت)، ولد في منطقة الأشرفية عام 1947. تلقّى دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت في ستينيات القرن الماضي، وكان محبّاً للنقد الأدبي واللغة العربية. عمل صحافياً في عدد من الصحف والمجلات في سبعينيات القرن الماضي، من بينها «الأسبوع العربي». كذلك، عمل في قسم الأرشيف في «دار الصياد» قبيل اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، وخاض تجربة في كتابة وإصدار الكتب.
يُعتبر الراحل صاحب أيادٍ بيضاء في صناعة الدراما اللبنانية، إذ أغنى أرشيف «تلفزيون لبنان» بأعمال مهمة بمواضيعها الجريئة في زمنها، ليعود لاحقاً ويتعاون مع قناة lbci التي عرضت أهم مسلسلاته في التسعينيات والألفين من القرن الماضي. كانت علاقة نجار قوية بالقائمين على lbci ولطالما ركّز الراحل في تصريحاته الإعلامية على النجاح الذي حقّقه مع المحطة اللبنانية. لم يكن كاتباً عادياً، بل كان صانع النجوم في التمثيل والكتابة أيضاً. له فضل على عدد كبير من الممثلين اللبنانيين الذين اكتشفهم في العديد من مسلسلاته. فهو خطّ العصر الذهبي في التلفزيون والمسرح، وكان حيّاً في ذاكرة جيل الثمانينيات والتسعينيات. كان معلّماً في الدراما اللبنانية، دخل في عمق المشاكل الاجتماعية وقدّمها في قالب دسم ودقيق، بعيداً عن الابتذال والتكرار. كما ألقى بأعماله الضوء على شريحة واسعة من المجتمع، من بينها مشاكل المراهقين، وقضايا النساء في الوسط اللبناني وصراع الخير والشرّ. قبل الحرب الأهلية اللبنانية، كان نجار منشغلاً بكتابة النصوص التلفزيونية، وقدّم أعمالاً ناجحة، من بينها مسلسل «هيك ربونا» (1987)، و«الوجه الضائع» (1987)، و«الأستاذ مندور»، و«رحلة العمر» (1985)، و«بسمة التخلي» (1984). في تسعينيات القرن الماضي، قلب نجار واقع الدراما اللبنانية، مقدّماً نوعاً درامياً جديداً من خلال العديد من أعماله التي كانت بمثابة ظاهرة في تلك الحقبة الزمنية. فقد استطاع أن يغيّر معادلات الصناعة المحلية، في بلد كان يتأهّب للخروج من حرب قاسية. في تلك المرحلة، وضع خبرته في اللغة والأدب والسيناريو، في مشاريع تلفزيونية كانت الركيزة الأولى لصناعة ما يسمّى بالدراما اللبنانية. من بين المسلسلات التي قدّمها «طالبين القرب» (1997) الذي يحكي عن العلاقات الإنسانية ويطرح علاقات الحب والزواج وما يرافقها من مشاكل وتحديات. شهد العمل ولادة العديد من الممثلين الشباب اليومن من بينهم: باسم مغنية ويورغو شلهوب وفيفيان أنطونيوس وبديع أبو شقرا. كذلك ألقى الضوء على موهبة كارول سماحة. كان العمل من أوائل المشاريع ذات الحلقات الطويلة التي وصل عددها إلى 100 حلقة، كُتب لها النجاح، إضافة إلى مسلسلَي «مدى العمر» (1997)، و«زوج الآنسة» (1990) وغيرهما الكثير من المشاريع الدرامية.

هند أبي اللمع وأنطوان كرباج في مشهد من مسلسل «ديالا» (1977)

في ألفية القرن الماضي، واصل نجار نجاحه بخطوات واثقة. كتب مجموعة أعمال، كان في مقدّمتها «من أحلى بيوت راس بيروت» (إخراج ميلاد أبي رعد) الذي قُدّم على جزءين عامي 2001 و2003، وكان نصيبهما النجاح الساحق. وكان ذلك فرصةً لولادة العديد من الممثلين، من بينهم: طارق سويد وأنجو ريحان. عُرض العمل على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» (lbci) وشكّل ظاهرة درامية يومها، إذ ألقى الضوء على شريحة مهمة من المجتمع. كذلك، قدم نجّار مسلسل «بنت الحي» (ﺇﺧﺮاﺝ سمير حبشي ــ 2001) الذي دخل قلوب المتابعين، ويدور حول قصة فتاة جميلة، تعيش في حي شعبي ولكنّ والدتها قاسية عليها. ويصور المسلسل الصراعات الإنسانية بين الخير والشر.
لم يتعب السيناريست الراحل من كتابة النصوص، بل كان نجاح أعماله بمثابة محفّز له لمواصلة الكتابة. قدّم مسلسل «الطاغية» (2007) و«حصاد المواسم» (2006) و«ثبات ونبات» (2009). إضافة إلى مسلسل «مريانا» (ﺇﺧﺮاﺝ جنان بكر) عام 2012 والذي لعبت بطولته كارول الحاج ويروي قصة فتاة فقيرة تنتقل للعيش في المدينة من أجل البحث عن لقمة العيش، فتعمل خادمة في عائلات ثرية لتساعد أهل قريبتها. يبدأ الصراع بين الفتاة الضيفة ومشاكل المدينة وضوضائها. وشكّل العمل فرصة لظهور سيرين عبد النور. وكان آخر أعماله مسلسل «سكت الورق» عام 2018.
نجاحه التلفزيوني الأول كان مسلسل «ديالا» الذي أخرجه الراحل أنطوان ريمي


لم تكن النصوص التلفزيونية وحدها التي شغلت الراحل، بل نجح أيضاً في المسرح من خلال مجموعة مسرحيات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، من بينها: «عريسين مدري من وين» (1986)، و«كرمال المحروس» (1994)، و«جوز الجوز» (1992) و«كبسة زرّ» (2000). وفي السينما، كانت له تجارب قليلة، من بينها «نسمة صيف» (2004)، و «أحبيني» (2003) و«مشوار» (2002). وفي التمثيل، كان له حضور يتيم في مسلسل «رحلة عمر» بدور كمال. كذلك برع نجار في الإصدارات المطبوعة التي تنوّعت بين السياسية والاجتماعية. ترك نجّار بصمة في عالم الشارات والإعلانات والفنّ على أنواعه، وقدّم مشاريعه بأسلوب عصري سبق زمانه. فقد برع في المسلسلات الاجتماعية والكوميدية وكذلك البوليسية التي تجمع بين الأكشن والغموض. هذا التنويع في كتاباته أسهم في انتشار أعماله التي لا تحتكر نوعاً محدداً. في السنوات الأخيرة من رحلته، خصّص صفحته على تويتر لنقل أوجاع اللبنانيين في ظل الأزمتين الاقتصادية والسياسية. وكان نجار محبّاً لوطنه وغاضباً على السياسيين، ومن أهم عباراته التي كتبها على تويتر: «كيف يمكن وطناً بهذا الجمال أن ينجب سياسيين بهذه البشاعة؟».

* ووري نجار الثرى أمس في مسقط رأسه في بشمزين (الكورة ــ شمال لبنان). تُقبل التعازي اليوم الخميس وغداً الجمعة في صالون «كنيسة القديس نيقولاوس للروم الأرثوذكس» (مار نقولا) - الأشرفية ابتداءً من الساعة الواحدة بعد الظهر وحتى الخامسة مساءً.



مُكتشف المواهب
«لولا مروان نجار، لما كنت ما أنا عليه اليوم. أمسك بيدي في عمر الـ 18 وأكتشف موهبتي. كانت علاقتي به أجمل مرحلة في حياتي». عبارة يقولها طارق سويد لنا مختصراً رحلته الفنية مع الراحل مروان نجار. يعود الممثل والكاتب اللبناني الشاب إلى الوراء، مستذكراً «كنت في الجامعة حين قرأت إعلاناً عن طلب «كاستينغ» لمسلسل «أحلى بيوت راس بيروت». بالفعل، تقدّمت وشاركت في الجزء الأول من العمل بمشهد واحد فقط. يومها حزنت كيف كان حضوري بلقطة واحدة، ولكن لم أعلم أن هذا المشهد سيفتح الباب أمامي».
يتابع سويد كلامه: «بعد أيام قليلة، تلقّيت اتصالاً من مروان وأخبرني بأنني سأحضر في الجزء الثاني من المسلسل. هكذا، كرّت سبحة تعاوننا معاً، وشاركت في غالبية مسلسلاته، من بينها «الطاغية»، و«نسمة صيف»، و«مشوار» و«أحبيني» وغيرها من الأعمال. أمسك مروان يدي وأخذني نحو الفنّ. لم تتوقف حدود علاقتي مع الراحل، بل قلّة تعرف أنني قبل أن أسلك طريق كتابة المسلسلات، كنت أعمل مع مروان كمنفذ لإنتاجاته. كان يستشيرني في جميع الخطوات التي تتعلق بأعماله».
لكن هل كان مروان مغيّباً عن الساحة الدرامية في الفترة الأخيرة؟ يجيب سويد: «لم أكن أتحدث معه عن أسباب غيابه. كل ما أعرفه أنه قبل رحيله بفترة وجيزة، كان يتفاوض مع شركات إنتاج مهمة لتقديم مسلسلاته، وربما ستبصر أعماله النور قريباً». يختتم الممثل اللبناني كلامه بالقول بأن «نجار كان سبباً وراء نجومية العديد من الممثلين الشباب، من بينهم: باسم مغنية، وطلال الجردي، ويورغو شلهوب، ووسام صباغ، وبديع أبو شقرا وغيرهم. لكنّي كنت الأقرب إليه بحكم عملي معه والتحدّث معه بشكل شبه يومي».