«داعش» هذه الحروف الأربعة حملت بنشأتها التكفير والإعدامات الميدانية، وزادت من قساوة هذا الأمر براعة التسويق الإعلامي التخويفي التي تميّز بها هذا التنظيم الإرهابي من تعمّد توثيق وتوزيع الصور المروعة بحق المدنيين والعسكريين لإثارة مزيد من الخوف والرعب في صفوف المختلفين معه. أضحى «داعش» مع الوقت مادة دسمة للوسائل الإعلامية. مع دخوله الأراضي العراقية وتدميره الأضرحة والمقامات الدينية، أعيد تسليط الضوء عليه بشكل أكبر مع الاضطهاد الذي مارسه بحق المسيحيين العراقيين الموجودين في الموصل وتخييرهم بين الهجرة و«مبايعة» الخليفة البغدادي أو الإعدام شنقاً.
هذا الاضطهاد والتنكيل بالمسيحيين استحوذ بشكل كبير على يوميات وسائل الإعلام بشكل خاص. وعلى الرغم من أحقية القضية، الا أنّ الصبغة الطائفية كانت الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة إلى بعض الإعلام اللبناني، بحيث سطت على باقي جوانب القضية واستغلت إعلامياً وترويجياً ودخلت بازار السياسة المحلية. والأسوأ من ذلك أنّ بعض المقالات المتضامنة مع مسيحيي الموصل كانت مدعاة للضحك، بحيث جرى التعاطي معهم ضمناً بأنّهم فعلاً غريبون عن المنطقة، وليسوا من نسيجها أصلاً.
يوم الاثنين الماضي، أطلقت lbci حملة «لأننا مختلفون» انطلاقاً مما يعيشه العراقيون في الموصل و«حرصاً» منها على تثبيت حق الاختلاف والتنوّع كما أوردت في نشرة أخبارها المسائية وقتها. هذه الحملة رافقتها كليبات قصيرة تضامنية تتناول الوحدة بين الديانات السماوية وتداخلها في ما بينها. وزيادة على ذلك أضافت المحطة حرف «نون» على اللوغو فأصبح على الشكل الآتي: «ن lb» وخصصت في بعض برامجها الحوارية حصةً لاستضافة شهادات هاربة من البطش الحاصل في الموصل بغية الإضاءة أكثر على هذه القضية.
حملة lbci الهادئة والمتزنة قابلها جنون مركَّز لدى موقع «التيار» الذي انطلق من التضامن مع مسيحيي الموصل إلى ممارسة التهويل والتخويف على مسيحيّي لبنان، خدمةً لأهدافه السياسية. اليوم، لا يشغل هذا الموقع الالكتروني سوى الترويج لـ «داعش»، بدءاً من الغلاف الذي نشر عليه كلام للعماد ميشال عون عن هذا الموضوع إذ قال: «في غزة تطهير عرقي... وفي الموصل تطهير ديني وسط صمت عربي وتحرّك دولي أشبه بالتعزية بعد الوفاة». لا يوفرّ الموقع يومياً الطبق الدسم المتحدث عن هذا التنظيم ومعه تمرير بشكل فاضح لمختلف أساليب التخويف من خطورة وصوله الى الأراضي اللبنانية و«التطهير» الذي سيحدث في مناطق البقاع. وآخر النهفات تصريح للاختصاصي النفسي نبيل خوري الذي شكر «حزب الله» على منع «داعش» من الوصول الى لبنان. ولم ينس الموقع المذكور التذكير دوماً بممارسات التنظيم الإرهابي في التعامل مع المرأة ولباسها وخروجها ومختلف الممارسات الأخرى المتشددة. وآخر الصرعات التي سبّبها «داعش» استفتاءات عن هذا التنظيم أطلقها موقع «التيار» وبرنامج «كلام الناس» على lbci (هل تخشى وصول «داعش» إلى لبنان) وغيرهما. إذاً يحلّ «داعش» وأخباره المبالغ فيها أو الواقعية، ضيفاً دائماً على موقع «التيار» وأضحى خبزاً أو فتات خبز يعتاش عليها الموقع بغية الاستقطاب وشد العصب المسيحي عبر التخويف وإثارة الرعب في نفوس هذه الطائفة بهدف تأكيد صوابية الموقف السياسي المعلن لـ«التيار الوطني الحرّ» في ما يخصّ ملفات المنطقة.