كلمة بعد كلمة لُفظت في تاريخ شفوي، من عالم الجبهات، وروت الكثير من أحداث «الحرب المفروضة» التي شهدتها جبهات الثورة الإسلامية في إيران، على امتداد الحدود والمحاور أواخر القرن الماضي. ومذكرات بعد مذكرات، تضافرت الأوراق، تُرصَف فيها المشاهد والشخصيات والروايات الحقيقية بكل ما فيها من معاناة وطموحات ومسارات وأزمات، حتى أنتجت كتباً غزيرة في أدب الحروب والمقاومة، على مدى عقود. ثم تضافرت الترجمات منذ سنوات في لبنان، حتى وصلت حالياً إلى مجموعة من خمسين كتاباً معرّباً، سُمّيت سلسلة «سادة القافلة»، وأصدرها «مركز المعارف للترجمة» في «جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة»، فبعض هذه الكتب جاءت في أجزاء، وبعضها في كتب توثيقية تنقل محطات مكثفة أو استصراحات جُمعت بين دفتين. وقد لاقت عمليات توزيع هذه الكتب المترجمة نجاحاً وافراً وإقبالاً بارزاً، حتى إنّ بعضها طُبع مرات عدّة ونُشر.
تميزت سلسلة «سادة القافلة» بتنوّع موضوعاتها؛ فمنها ما تناول سيرة شهداء شكلت حياتهم قبل التضحية الكبرى أنموذجاً يثير البحث في القيم الإنسانية. ومنها ما تحدّث عن قصص أسرى ومراحل عذاباتهم نحو الحرية، بما احتوته من مشاعر وأفكار ومصاعب. ومنها ما تحدث عن جرحى حفلت أعمارهم بمنعطفات وصراعات عميقة ومنها تحدث عن قادة عاندوا الصعوبات وحققوا إنجازات وأهدافاً فكرية وعسكرية وروحية أيضاً. ومنها تحدث عن نسوة عارفات لقدراتهن، اقتحمن المآسي والصعوبات والعوائق وحققن أهدافاً ثورية، وهنّ متمكّنات في إنجازاتهن التي تجلّت في الواقع فائقة الدهشة والتشويق. ومنها تحدث عن عوائل الشهداء أمهات وزوجات وأبناء، وكيف واجهت هذه العوائل المواقف القاسية ومضت نامية في العِبر التي استُخلصت منها. وجدير بالذكر أن عدداً من كتب سلسلة «سادة القافلة» كتبه أصحاب التجارب بأنفسهم، فجاء أقرب إلى السيرة الذاتية، ولكن أيضاً هناك عددٌ جرى فيه نقلُ مسرح الأحداث التي وقعت فعلاً مع أبطال الروايات؛ فدوّنَ أدباء محترفون كلّ تلك التواريخ المحكية على لسان من عاشها. وربما أكثر ما يلفت في هذه الباقة هو أن كل أفراد الأسرة يمكن عدّهم من الفئات المستفيدة، حيث تستطيع الكتب أن تصل من دون تحفّظ إلى أي شريحة في أي مجتمع؛ من الأم إلى الأبناء بنات وصبيان وشابات وشباب إلى الآباء والأجداد، فالكلّ يجد ما يحاكيه في روايات السلسلة، وهي ذات لغة راقية وسرد منسوج بموضوعية وحوارات انسيابية بليغة.
هذه السلسلة الأدبية التاريخية استغرقت جهوداً كثيفة على مستوى فرق الترجمة، ثم التدقيق والتحرير والتصحيح والمراجعات والجوانب الإخراجية، وكلها هدفت إلى تقديم تجربةٍ مميزة، وإلى فتح آفاق للمطالعة المفيدة والزاخرة بالتأثيرات والجاذبية لدى القراء في كل المجتمعات عموماً، وفي المجتمع الإسلامي خصوصاً. تحتفل «جمعية المعارف الإسلامية الثقافية» و«مركز المعارف للترجمة»، هذا الأسبوع، باكتمال إصدار الباقة الأولى المحتوية خمسين كتاباً مع الانطلاق في الخمسينيّة الثانية، ويتخلّل الاحتفال تكريم الفرق العاملة في الكتب عبر كل المراحل. يُقام احتفال إطلاق هذه الباقة اليوم عصراً، برعاية رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، السيد هاشم صفي الدين وحضور لفيف من المهتمين بالأدب والأدب المقاوم والتأريخ والترجمة في «مركز الإمام الخميني الثقافي» (بيروت ــ طريق المطار).

* احتفال إطلاق «سادة القافلة»: عصر اليوم ـــــ «مركز الإمام الخميني الثقافي» (بيروت ــ طريق المطار)