مرّت أكثر من عشر سنوات على المرّة الأخيرة التي أطّل فيها جورج خبّاز في عمل درامي تلفزيوني. خلال هذه الفترة، حرص الفنّان اللبناني على الحضور مسرحياً وسينمائياً. على الخشبة، قدّم أعمالاً مختلفة حاكى من خلالها كالعادة تجربة مسرح زياد الرحباني (من دون أن يكون هناك مجال للمقارنة) فيما حضر طيفا عادل إمام ودريد لحّام وأسلوب تشارلي شابلن. قد يختلف النقّاد على تقييم مسرحيات خبّاز التي تحظى عموماً باستحسان شعبي، لكن الأكيد أنّ هناك سمات عامّة تميّزها، أبرزها طرح قضايا بارزة مرتبطة بالحبّ والعائلة والسياسة والدين والوطن. ويستمدّ جورج قوّته أيضاً من قدرته على تجسيد الأدوار والجمع بين الإخراج والكتابة والإنتاج الموسيقي والرقص.خلال الأعوام القليلة الماضية، خرج بطل فيلم «غدي» (2013 ــ 100د ــ باكورة أمين درّة الروائية) عن المألوف مقدّماً إنتاجات حاول الابتعاد فيها عن السائد في مسيرته المهنية، كما رأيناه في فيلم «أصحاب... ولا أعزّ» (99 د ــ تجربة اللبناني وسام سمَيْرة الأولى في مجال السينما) على «نتفليكس» في كانون الثاني (يناير) 2022.
اليوم وفيما يصوّر مشاهده ضمن مسلسل «النار بالنار» (كتابة رامي كوسا، إخراج محمد عبد العزيز) ويتحضّر لعرض فيلم «يونان» (إخراج أمير فخر الدين) في الصيف المقبل في ألمانيا، قدّم جورج خبّاز للجمهور تجربة متفرّدة من بوّابة البثّ التدفّقي.
عشر حلقات أبصرت النور تباعاً خلال الفترة الماضية بمعدّل حلقتين أسبوعياً عبر منصة «شاهد» التابعة لشبكة mbc السعودية، تحت عنوان «براندو الشرق» (تأليف وسيناريو وحوار جورج خبّاز، إخراج أمين درّة، إنتاج «صبّاح إخوان»). العمل القصير الذي يتشارك جورج بطولته مع السورية أمل عرفة، عبارة عن خليط من الدراما والكوميديا السوداء والفانتازيا. ومن خلاله، يحقّق بطل «عبدو وعبدو» حلماً يراوده منذ سنوات.
يتميّز «براندو الشرق» بمشاركة كوكبة من الممثلين اللبنانيين والسوريين، بعضهم بأدوار خاطفة، نذكر منهم: كميل سلامة، جهاد سعد، زينة مكي، طلال الجردي، إيلي متري، فؤاد يمين، لورا خباز، ميا سعيد، أليكو داوود، ألين أحمر، سينتيا كرم، جوزيف ساسين، مي سحّاب، عادل كرم، غسّان عطية، محمد شمص، ماريا تنوري، عبد المنعم عمايري، سعيد سرحان، محمد عقيل، إميل شاهين وجيرار أفيديسيان.
حلقات عشر تبعث الخمس الأولى منها على الملل في أحيان كثيرة، إذ تتسم أحداثها التي تحاول بناء السياق الدرامي للحبكة بالبطء. غير أنّ الأمر يتغيّر مع اقتراب العمل الدرامي من نهايته. وعلى الرغم من المآخذ الكثيرة التي يمكن تسجيلها على نصّ «براندو الشرق»، يفرض الأخير نفسه كمسلسل مختلف يغرّد خارج السرب ويبتعد بالمشاهد عن الواقع المثقل بالهموم، مقدّماً محتوى خفيفاً ومسلّياً إلى حدّ ما، ينتقد عمليات الإنتاج الدرامي في العالم العربي، من خلال قصة عادية وبسيطة جداً. يعمل خرّيج الإخراج «يوسف تامر» في مستودع لتأجير المعدّات السينمائية، لكنّه يحلم بتنفيذ أوّل مشروع سينمائي ضخم له: «الرصاصة الصامتة». يمضي وقته باحثاً عن منتج يقتنع بتمويل المشروع، متخيّلاً نفسه بطلاً للأحداث، في إطار من الـ «ميتادراما» (الدراما داخل الدراما).
يعطي أمين درّة كلّ مرحلة زمنية حقّها


في المستودع، يتعرّف البطل إلى «سلوى»، المرأة السورية التي تعيش في لبنان منذ 20 عاماً وعالقة في السينما المصرية أيّام الأسود والأبيض. الشخصية التي تجسّدها أمل عرفة على طريقة السهل الممتنع تشارك «يوسف» حلمه وتتخيّل نفسها بطلة للشريط. بعد رحلة طويلة من البحث، يشترط أحد المنتجين على «يوسف» أن يكون فيلمه من بطلة الممثل الشهير خالد صلاح الملقّب بـ «براندو الشرق»، لتبدأ رحلة البحث عنه المحفوفة بمطبّات كثيرة ومواقف منوّعة.
يعيش أبطال المسلسل في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فيما يعودون ضمن السياق الدرامي إلى ثلاثينيات القرن الماضي حيث تجري حكاية «الرصاصة الصامتة».
وفي مشوار سعيه المستميت لتحقيق حلمه، يجد «يوسف» ذاته التي أضاعها طوال حياته في محاولته الدائمة لتقمّص شخصية شقيقه الذي يحمل اسمه بعد أن توفي في الصغر. محاولات حوّلت طفلاً إلى راعٍ لوالدته المدمنة على حبوب الأعصاب ووالده الذي لا يفارق كأس الكحول يده، سرعان ما أصبح لاحقاً رجلاً تائهاً يصارع الحياة بكل ما أوتي من قوّة. على درب تنفيذ الفيلم وفي زحمة البحث والمواقف، يلتقي البطل بحبّ يعيده إلى ذاته ليحفر فيها عميقاً ويكتشفها بوضوح لم يسبق له مثيل. لكن في النهاية، مَن منّا يربح كلّ شيء؟ ففي سبيل تحقيق حلمه المهني، خسر «يوسف» حبيبته «لمى» ودفع ثمناً باهظاً ترك آثاره البالغة في روحه وعينيه (كما يظهر في المشهد الأخير).
أمين درّة الذي سبق أن تعاون مع «شاهد» في المسلسل القصير «باب الجحيم» الذي يستقرئ المستقبل بأسلوب خاص ضمن أجواء من الأكشن والخيال العلمي ووسط أحداث مليئة بالحركة والغموض، يعطي في «براندو الشرق» كلّ مرحلة زمنية حقّها لناحية الكادرات والألوان وحركة الكاميرا، بالإضافة إلى عناية خاصة بالديكورات والأزياء والأكسسوارات وإدارة الممثلين.

«براندو الشرق» على «شاهد»