
ليست هذه المرّة الأولى التي يقدّم فيها برنامج تلفزيونيّ على هذا الشكل، خصوصاً أنّ فكرته مأخوذة من المسرح، لكنّها مع ذلك فكرة إبداعية وإضافة مبتكَرة إلى الشاشة اللبنانية. على مدى قرابة 25 دقيقة، تملأ باميلا جرجي، وحدها وبنجاح ملحوظ، الفراغَ الذي خلّفه غياب «لهون وبس» بأولى فقراته. فهي لا «تمغّط» نكاتها أكثر ممّا تحتمل، وفي الوقت عينه لا تستعجل إفراغ ما في جعبتها منها «كيفما كان». فوق ذلك، لدى جرجي «خفّة ظلّ» وروح دعابة وكاريزما كوميدية، ما يجعل مشاهدتها سهلة الهضم لا تحتاج إلى مجهود للتركيز. باختصار، يُمكن القول إنّ الأخطاء التي وقعت فيها الفقرة الأولى من «لهون وبس» في فترتها الأخيرة، استأصلَتها «الدكتورة بام» وأعادت صياغتها بما يتماشى مع «روح» المحطّة وتوجّهاتها، لا السياسية فحسب، بل الفنّية والكوميدية أيضاً.
يُؤخذ على البرنامج تبنّيه سردية «ليبرالية» في مقارباته السياسية، أي أنّه يعتمد «كلّن يعني كلّن» بوصلةً له. ما سبق لا يعني أخذ مسافة واحدة من الجميع وهي الصورة التي تحاول دوماً LBCI إبرازها حرصاً على «حياديّتها»، بل على العكس، هناك انحياز ولو طفيف لـ«أيديولوجية 17 تشرين»، بالإضافة إلى إقحام أمور قد «لا تركب على قوس قزح» فقط لإعادة التوازن بعد انتقاد طرف معيّن، ما يُترجم مراهقة سياسية إلى حدّ ما. بمعنى آخر: إذا كان هذا الطرف بطل الأسبوع، فلا مانع من أن تطغى أخباره على الحلقة طالما أنّه سيتمّ تناول غيره في حلقات أخرى، «كلّ شيء بوقته». لكن «نكش» طرف خصم في الحلقة نفسها والرجوع إلى أمور من الماضي لأنّ لا جديد عنده هذا الأسبوع، يُفقد البرنامج الساخر شيئاً من مصداقيّته. نتفهّم طبعاً التخوّف من إغضاب هذا أو ذاك، خصوصاً في بلد مثل لبنان حيث إعداد برامج سياسية ساخرة يُشبه السير في حقل ألغام، إلّا أنّ للمقدّمة كما للمحطّة خلفية في هذه البرامج وتدركان طرق تجنّب الألغام جيّداً، ويمكنهما اعتماد مقاربة «حيادية» من دون إسباغ لون ولو «شفّاف» على البرنامج، إلّا في حال تقصّدهما ذلك، وهذا نقاش آخر. على أيّ حال، بما أنّه لم يُعرض إلّا حلقة واحدة من البرنامج حتى الآن، هناك متّسع من الوقت للحكم عليه بطريقة أكثر دقّةً. لكنّ ما سبق هو ملاحظة تخطر في البال مع الانطباع الأوّل ومن الأفضل الإشارة إليها.
يُؤخذ على Dr. Pam تبنّيه سردية «ليبرالية» في مقارباته السياسية
أطلقت «الدكتورة» الحلقة الأولى بـ«خطاب» استخدمت فيه أسماء سياسيّين من كلّ حدب وصوب منذ تأسيس الكيان اللبنانيّ، مشكّلةً جملاً مفيدة (ساخرة) بمعاني الأسماء الأصلية. لكنّ المفاجأة التي ربّما كانت منتظرة من LBCI، كانت في نهاية الحلقة، حيث طال النقد اللاذع هشام حدّاد، بطريقة «عفوية» تبرع فيها المقدّمة لكن حازمة، ما زاد من فعالية النقد. كما بات معلوماً، كان مقدّم «لهون وبس» سابقاً قد أعلن الشهر الماضي انتقاله إلى قناة mtv وإطلاق برنامج «كتير هلقد»، عبر شريط ترويجيّ ادّعى فيه أنّهم «نسيوا القضية» (في إشارة إلى LBCI من دون تسميتها) وأنّه وتلفزيون المرّ «اتّفقا على الثورة». هذا التصويب على LBCI بالذات كان محطّ اهتمام «Dr. Pam»، فسخرت من mtv مذكّرةً بملفّات الفساد التي تلاحقها، ومن ادّعاء حدّاد الاتّفاق على «الثورة» واضعةً صورة من برنامجه الجديد، لكن مع إضافة أوراق نقدية تهطل عليه (قد يكون الادّعاء الآنف هو السبب وراء إسباغ اللون «الشفّاف» على البرنامج، في محاولة لـ«إثبات الذات»). وأنهت باميلا جرجي «نوبة» السخرية هذه باستخدام شريط من أغنية «كواليتي يا كواليتي» التي كان هشام حدّاد نفسه يؤدّيها على شاشة LBCI للسخرية من mtv، فوضعت التعديلات عليه لإظهار ما تعتبره LBCI نفاقاً من حدّاد و«غدراً» بها بعد سنوات من احتضانها له.
في المحصّلة، يشطب «Dr. Pam» كلّ متطلّبات البرنامج السياسيّ الساخر عن القائمة، ولديه إمكانية للنجاح والذهاب بعيداً إذا ما عرف القائمون عليه كيفية التصرّف وتقديم أداء جيّد بشكل متماسك وغير متقطّع مع مرور الأسابيع والأشهر.
* «Dr. Pam»: الخميس بعد نشرة الأخبار على LBCI