لطالما تحدّث المعنيون عن الحرب العسكرية. قلّة هم من أوغلوا شرحاً في حربنا اليومية. لا تُلقّب الحرب الثقافيّة بالأعنف في عصرنا فحسب، بل إنها الأكثر شمولية واستدامة وخطورة على مرّ التاريخ. يختصر المرشد الأعلى، السيد علي الخامنئي، الصراع القائم في هذا المجال بعبارته «الحرب اليوم هي حرب الرواية، وإذا لم نُقدّم روايتنا، فإن العدو سيقدّم روايته... المنتصر في الحرب اليوم هو من تفوز روايته للأحداث». ليس السعي لعزل وتطويق الدول التي تشهد حركات ترفع شعار المقاومة حديث الولادة. يصف الباحث السياسي الأميركي صامويل هنتنغتون، قبل أكثر من ربع قرن، الحرب الثقافية بحرب الحضارات، التي يرى من خلالها أن «صراعات ما بعد الحرب الباردة، لن تكون بين الدول القومية لعوامل سياسيّة أو اقتصاديّة أو إيديولوجيّة، لكن لأسباب دينيّة وثقافيّة». في محاولتها لحفظ إرث قائد «فيلق القدس» الفريق قاسم سليماني، تسعى «جائزة سليماني العالمية للأدب المقاوم» في دورتها الثانية (من تنظيم جمعية أسفار للثقافة والفنون والإعلام في لبنان) إلى تخليد «رواية» الشهيد بفئات أربع هي الرواية والقصة والقصيدة والسيناريو (الفيلم القصير) بعدما أُضيفت الفئة الأخيرة هذا العام لأهميتها. ومنذ الإعلان عن إطلاق الجائزة عام 2021، واجه المنظّمون تحدّيات وقرقعة إعلاميّة في الصحف المحليّة والخليجيّة، تناولت اسم الجائزة وأهدافها في محاولة لتشويهها ودفع الكتّاب للامتناع عن المشاركة فيها. لا شك في أن تلك المحاولات تعود لخلفية الشخصيّة السياسيّة ومسيرتها في المنطقة. لم تقتصر الحرب الإعلامية ضدّ الجائزة على الصحف، بل تشترك، في حرب الرواية هذه، كبريات شركات منصّات التواصل وعلى رأسها شركة «ميتا»، التي لا تنفكّ تلعب دوراً كبيراً وفاضحاً في تقييد حرية التعبير للملايين من المستخدمين. فقد حذفت منصّة فايسبوك صفحات عدّة باسم الجمعية المُنظِّمة، وباسم الجائزة، وقيّدت استخدام اسميهما على المنصّة للحدّ من انتشارها في الدول العربية والعالم. ومن العقبات التي تشهدها الجائزة، الضغط المعنوي الذي يُمارس من قبل دعاة حرية التعبير على كل ما يخصّ الجائزة وإنتاجاتها وعلى معرفة المشاركين، بأنّ مشاركتهم، التي تعني اتخاذ موقف تجاه القضية التي يُمثلها سليماني، قد تكون سبباً في سلبهم حقّهم بالمشاركة في مسابقات في دول خليجية أكثر سخاءً وانتشاراً، كنوع من أنواع العقوبات المفروضة، ما دفع ببعض الكُتّاب والأدباء للتردد قبل الدخول إلى معترك «الحرب». أمام هذه التحدّيات الماثلة أمام المنظّمين، بقي عدد المشاركين في ازدياد وتضاعف العدد عن الدورة الثانية موزّعاً على 11 دولة: لبنان، فلسطين، سوريا، العراق، اليمن، مصر، تونس، الجزائر، المغرب، الأردن وإيران، من كُتّاب مقيمين في دول عربية والخارج. يتطلّع القيّمون على الجائزة في إطار مشاريعهم المستقبلية لأن تكون دوراتها المستقبلية بلغات عدّة، وتصل بذلك إلى مسرح «العالمية» بقدر استطاعتها، لتستقطب كُتّاباً من مختلف دول العالم. يحرص القيّمون على الجائزة على التدقيق في المشاركات للتأكّد من حيازتها الشروط المطلوبة لجهة توافقها مع النوع الأدبي، وعدم نشرها سابقاً، وانتمائها إلى «الأدب المقاوم»، على صعوبته، وعدم الاشتراك بأكثر من نصّ واحد لكل كاتب. تُحوّل المواد بعد ذلك إلى نخبة من النقاد العرب لتقييمها بشكل مهنيّ وفقاً لمعايير موحّدة. على عكس الأولى، لم تحمل الدورة الثانية التي أُعلنت أمس، عنواناً فرعياً، لتفسح بذلك المجال إلى حدود أوسع لكل مادة تتوافر فيها الشروط الفنيّة، وتتناول موضوع «نضال أي شعب من الشعوب في مواجهة الهيمنة والعدوان في أي مكان وزمان» بحسب المنظّمين.
حذفت فايسبوك صفحات عدّة باسم الجمعية المُنظِّمة


تفتح الجائزة المجال أمام المواهب الشابة والمخضرمة على حد سواء، وتتيح لها أفقاً جديداً في عالم الأدب والفنّ عبر إنتاج أعمالها. فقد صدرت في الدورة الأولى عن «دار أسفار للثقافة والإعلام»، بالتزامن مع «معرض بيروت العربي والدولي الرابع والستين للكتاب»، مجموعة كتب تضمّ النصوص الفائزة وهي: المجموعة القصصية «قصص أسفار»، والمجموعة الشعرية «ديوان أسفار»، وروايات «حرية ضوء» و«وصفات سريَّة» و«أشجار القلعة»، إضافة إلى نية جديدة هذا العام بإنتاج ثلاثة أفلام فائزة في المسابقة ضمن الفئة الجديدة.
على أهمية أيّ سلاح آخر، ترقى الجائزة لأن تكون إحدى أدوات المواجهة الثقافيّة المستمرة منذ عشرات السنين التي تشتد يومياً في الفضاء الرقمي، وتطاول عناصر الثقافة وعلى رأسها اللغة والمصطلحات، والتعريف، والمبادئ. وبين أهمية «الأدب المقاوم» وتعقيداته، والحرص على «الأدب الملتزم» وصعوبته، تبقى الثقافة ركناً أساسياً من أركان الهويّة، التي لا يمكن أن تستقيم بعيداً عن التوثيق والكتابة بحريّة.