كلما تراجع الاستعمال الصارم للأشكال الدرامية، كلما تغيّر موقع المتلقي، ليصبح حضوره طاغياً أكثر. هذه المرة، يتمرّد المخرج اللبناني الفلسطيني، علاء ميناوي، على الأشكال المسرحية التقليدية، والعلبة الإيطالية، وعملية التماهي بين المتفرجين والممثلين، في عرضه التفاعلي «2048 - تَحَلّلْ هَوِيَة». يذهب بعيداً، ليعيد النظر في دور الممثل ضمن العملية المسرحية الإبداعية. يكرس العرض التفاعلي لعلاء ميناوي، بيتاً «قد لا يكون بيته»، وأرضاً «قد لا تكون أرضه»، كفضاء يسائل فيه الانتماء، والهوية، والعلاقة بالأماكن. ينطلق من واقع عدم قدرة الأم اللبنانية على إعطاء الجنسية لأولادها، ليشرك الجمهور في سرد حميم وأسئلة كثيرة.

تحضر ثنائية الحضور والغياب في «2048 - تَحَلّلْ هَوِيَة» (مساعد مخرج: جورج عبود ــــ مستشارة فنية: بترا سرحال) ليسأل: ما هو الغياب؟ ما القوّة التي يحملها؟ وأي مفهوم من هذه الثنائية، يطغى أكثر؟ الحضور أم الغياب؟ من خلال هذه الثنائية، يمرّ ميناوي على أماكن الخطر، والاضطهاد، والظلم، في الحيّز العام، في البلد، الذي تحكمه السلطات التي تفرض على بعض المهمشات والمهمشين، غياباً قسرياً، رغم حضورهم القوي في أماكن محددة. تتفرع الأسئلة حول المواقف العنيفة، التي تمت ممارستها على الجميع في هذا البلد، بأشكال وأساليب مختلفة.
كان لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس) 2020، وقع على مسارح بيروت، ما دفع العاملات والعاملين فيها، إلى إعادة النظر في واقع المسرح، ودوره، والمفاهيم التي يطرحها. يقول علاء ميناوي إنّ ذلك دفعه أيضاً، لإعادة السؤال عن الشكل المسرحي. لذا، يندرج «2048 - تَحَلّلْ هَوِيَة» في إطار الممارسات الفنية المعاصرة، التي تدعو إلى إشراك المتلقي في العمل الفني، وتحثه على إعادة النظر في واقعه الراهن. هنا يعوّم علاء ميناوي تجربته الشخصية. هو الفلسطيني الأب، الذي حرمته القوانين اللبنانية من حقه في الجنسية اللبنانية. نستشف، ربما، واقعنا في عام 2048، وهو التاريخ الذي يذكّر بالنكبة عام 1948، فتكون الذاكرة، محاولةً، لجمع شتات من الماضي، مع سد الثغرات، وترميم الصدوع. يصحب ميناوي الجمهور المشارك في هذا العرض، في غرف البيت المتنوعة، ليكتشف الكثير من الأمور، عن نفسه، وعن بعضه البعض. العرض مبني على تجارب حسية، تولّد لدى المشاركين أسئلةً عن القضايا التاريخية، التي أحاطت بفئات محددة، وهمّشتها، ولفظتها، ولم تشركها في صناعة القرار. تجارب ستجعل المتفرجين المشاركين، أبطالَ هذا العرض التفاعلي، الذي سيحمل متغيرات، وطبقات فنية متعددة، لم يألفها الجمهور كثيراً.
يسائل العمل مفاهيم الانتماء والهوية والعلاقة بالأماكن


العرض مبني على استعمال «الواتسآب» في هواتف الحضور، ولن يتمكن أحد من المشاركة من دون تشغيل التطبيق. لذلك، عند حجز التذكرة من مكتبة «أنطوان»، سيتم تسجيل رقم الواتساب الذي ستتم مشاركته مع 12 فرداً، كحد أقصى، وهي القدرة الاستيعابية لفضاء العرض. كما أنَّ نقطة اللقاء، تم تحديدها في حديقة مقابل كافيه «كاليه» في منطقة «مار مخايل». ليمشي الجمهور بعد ذلك إلى بيت قريب يقع في بناية «ايسيان» في الطبقة الثانية. كل ذلك في إطار ممارسة معاصرة، تحمل في طياتها كثيراً من الطروحات، التي سيكتشفها المشاركون مع تقدم مسارات العرض.
يقول علاء ميناوي إنه ليس هناك جمهور مستهدف لهذا العرض التفاعلي. إنّه موجه للعامة، لا لرواد المسرح فقط. هي تجربة قد تكون فريدة، تحمل أحاسيس، وهموماً، ومشاعر مشتركة، تتولّد من خلالها أسئلة تعرّي النظام القائم. قصص ستُشارك، وتُحكى، وتكون نقطة التقاء أو خلاف، لكنها تحمل الأمل بأنّ اللقاءات قد تجعلنا نقبل العيش سوياً.

* «2048 - تَحَلّلْ هَوِيَة»: بدءاً من اليوم حتى كانون الثاني (يناير) ومن 7 إلى 18 شباط (فبراير) ــ أحد بيوت منطقة «مار مخايل» (بيروت). للحجز: كل فروع «مكتبة أنطوان»