عيِّن الفاضل الجعايبي (١٩٤٥ ـ الصورة) أخيراً مديراً عاماً للمسرح الوطني التونسي بحضور وزير الثقافة مراد الصقلي. تعيين الجعايبي خلفاً لأنور الشعافي كان مفاجئاً للأوساط الثقافية وليس المسرحية فحسب بسبب طبيعة المسار الذي اختاره الجعايبي كمؤسس أول فرقة مسرحية خاصة حملت اسم «المسرح الجديد» عام 1976 مع مجموعة من أبرز المسرحيين الشباب آنذاك مثل الفاضل الجزيري وجليلة بكار والمرحوم الحبيب المسروقي ومحمد ادريس.
وجاءت تجربة «المسرح الجديد» كخطوة ثورية متمردة. طوال مساره، نأى الجعايبي عن السياسة كممارسة يومية، لكنّ مسرحه كان في قلب الهاجس والسؤال السياسي. في كل أعماله، دان القمع والديكتاتورية وفكك بنية التفكير السلطوي الذي أدى الى غياب الحرية بكل ما ترتب عن ذلك من قمع المبادرات وترويج خطاب واحد وأحادي هو خطاب السلطة.

عيِّن أخيراً مديراً عاماً للمسرح الوطني التونسي


بعد صراع طويل مع نظامي بورقيبة وبن علي، ينخرط الجعايبي اليوم في مسرح القطاع العام، فما الذي تغير في الجعايبي أو في الدولة؟ الجعايبي كما قال عنه وزير الثقافة مراد الصقلي خلال احتفال تعيينه، لم يكن موافقاً على تولي إدارة المسرح الوطني. لكنه قدم للوزارة مشروعاً لتطوير المسرح الوطني كما يراه، وهو المسرحي الأكثر خبرة في التجارب العالمية في القطاعين العام والخاص بعد نصف قرن من احتراف المسرح جاب خلاله العالم محاضراً ومؤطراً ومخرجاً. إذ قدم مسرحياته خصوصاً منذ تأسيسه «مجموعة فاميليا» في أكبر المسارح الأوروبية. منذ بداية مسيرته، عانى الجعايبي من نقص الفضاءات الخاصة للتمارين والعروض. لا تكاد تخلو مسرحية له من معركة في هذا الاتجاه مع السلطة التي كانت قبل «١٤ يناير٢٠١١». فهذه السلطة كانت تستعمل مشكلة الفضاء للتضييق عليه. لكنه كان ينتصر دائماً على الرقابة التي لم يسمح لها بحذف جملة واحدة من أعماله، خصوصاً «خمسون» التي منعت طيلة أشهر و«يحيا يعيش» التي تنبأ فيها بسقوط النظام السابق.
الأكيد أنّ الجعايبي لن يقتصر دوره في المسرح الوطني على انتاج اعمال مسرحية، بل سيلعب دوراً كبيراً بما يملكه من خبرة لإعادة تأهيل مسرح القطاع العام ومراكزه في الكاف ومدنين وقفصة وصفاقس والقيروان و«مركز فن العرائس». المشروع الأساسي الذي جاء من أجله الجعايبي هو تطوير مسرح القطاع العام ليكون فضاء لتكوين المسرحيين الشباب، ذلك أنّ خبرته وكفاءته يحتاجهما المسرح التونسي اليوم.