بالنسبة إلى كثيرين، كان «أفاتار» (2009) تجربة لا تنسى. يُعد الفيلم ثورة في التجربة السينمائية في القرن الحادي والعشرين. قدم مفهوماً جديداً للأبعاد الثلاثية، انتظر وقتها المخرج جيمس كاميرون التكنولوجيا لتكون متاحة لبدء التصوير، واخترع هو وفريق عمله لغةً محكية جديدة خاصة بالفيلم. والنتيجة: فيلم ضخم، من حيث الإنتاج والتقنيات الجديدة، بميزانية بلغت 237 مليون دولار. ولغاية اليوم، يحتل المرتبة الأولى على قائمة شباك التذاكر بإيرادات وصلت إلى أكثر من مليارَي دولار. منذ ذلك الحين، يعمل كاميرون على التكملة. أربعة أجزاء لنكون أكثر دقة. وصلنا اليوم الجزء الثاني من السلسلة هو «أفاتار: طريق الماء» بميزانية وصلت إلى حدود 400 مليون دولار. ومن المحتمل أن يقضي كاميرون بقية حياته المهنية لإكمال الأجزاء الثلاثة الأخرى المعلنة. في انتظار ما سيأتينا في المستقبل، دعونا نغوص بما يمكن مشاهدته اليوم في الصالات السينمائية.نعلم جيداً أن جيمس كاميرون يحب المشاريع الطموحة، ولا أحد يستطيع أن ينكر موهبته أو مساهمته في تاريخ السينما. هو مخرج بصري بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. «أفاتار: طريق الماء» دليل جيد على ذلك، ويجب أن نبدأ بهذا الجانب الذي ركّزت عليه أعلى التوقعات. فيلم مذهل بصرياً، لم يسبق له مثيل والمناظر الطبيعية تخطف الأنفاس، والمخلوقات جميلة والطريقة التي يعمل بها العالم الذي خلقه كاميرون ساحرة، والتجربة غامرة. فيلم يمكنك مشاهدته بطريقة عادية أو بالأبعاد الثلاثة أو IMAX 3D وحتى 3D 4DX، بغض النظر عما تعنيه هذه الأحرف والأرقام. مرة أخرى، يقدم لنا كاميرون وليمة للحواس، تجربة يجب أن نعيشها في السينما، إذا كنا نريد الهروب من الواقع لمدة ثلاث ساعات وربع.


فيلم كاميرون الجديد مجنون، يصل إلى حدود غير متوقعة ويتجاوزها، وبهمجية مرئية يهاجمنا. إلى هنا متفقون، ولكن هذا سيف ذو حدين، ما يمكن أن يكون نقطة قوة، هو أيضاً نقطة ضعف. هذه الدقة الكاملة للتأثيرات الخاصة، والجمال المعقّد للصورة التي تمنحها حدة شديدة تجعلها في بعض الأحيان تبدو كأنها لعبة فيديو، من السهل التعوّد عليها، وتفقد بريقها وإبهارها لأنها ببساطة مثالية. وعلى مستوى آخر، هذا الكمال البصري سيكون دائماً غير متوازن مع بقية عناصر الفيلم، وهنا نأتي إلى المضمون، وتعود المشكلة التي عانى منها الفيلم الأول. «افاتار: طريق الماء» فارغ كسابقه، يسمح لنفسه برفاهية تلقيننا قصة من دون أن يعرف كيف يقنعنا. يبيع لنا فلسفة مبسّطة مكررة لا حاجة لنا لها. صحيح أن كاميرون كان هنا أكثر تأهباً من الفيلم الأول، وسعى جاهداً إلى إدخال العديد من المكونات الجديدة لجعل هذا الماء أكثر طعماً وليس مجرد ماء ملون، ولكن بمجرد أننا نعرف أن هذا الفيلم ما هو إلا جزء صغير من شيء أكبر سوف يمتد إلى سنوات، وأن هذه الصراعات الجديدة والشخصيات ستنتهي على أقساط مستقبلية، يجعل هذا التجربة كلها غير مكتملة، وما هي إلا نقطة انطلاق لشيء لا نعرف أو نفهم كيف سيكون أضخم! من الواضح أن كاميرون وفريقه واضحون جداً بشأن ما يريدون من القصة وأين يريدون توجيهها، نعلم أنه يرغب في تقديم فيلم بسيط يخاطب الجميع، بما في ذلك آخر أبله على الكوكب. نجح في المرة الأولى، فلماذا يجب أن يغير شيئاً الآن؟ ليس هناك شيء لإصلاحه.
القصة هي في الأساس نفس قصة الجزء الأول: جيك سولي (سام ورثنغتون)، تم استيعابه بالفعل كأحد سكان كوكب باندورا، اليوم لديه عائلة مع الأميرة المحاربة نيتيري (زوي سالدانا). تبدأ القصة بعد عقد من الزمن بعد الفيلم الأول. لدى جيك ونيتيري ثلاثة أطفال بيولوجيون وعدد قليل من الأطفال بالتبني. بعد صد هجوم البشر بنجاح في الفيلم الأول، سرعان ما عاد البشر لاحتلال الكوكب من جديد. قبل مواجهة هذا المصير مرة أخرى، غادر جيك وعائلته الغابات وهربوا إلى الجزر الاستوائية في المحيط. مرة أخرى، يجب عليهم أن يتعلموا العادات الجديدة، والعيش بسلام ولكن بالطبع كما هو متوقع، لا يمكن الهرب من مصيرهم والحرب الجديدة. بينما يأخذ كاميرون وقته ليبيّن لنا بالتفصيل الجانب الجديد من الكوكب والحياة الجديدة، الذي لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي قدمه لنا في الأصل، إلا أن في قاع البحر حياة أخرى، مخلوقات فسفورية، حيوانات مفترسة وخطراً ينتظر في كل زاوية.
يمزج الفيلم الكثير من المواضيع في سرد غير منتظم، بعد الفصل الأول الذي ثبت فيه أنّ الفيلم سيتعامل مع الاستغلال الاستعماري لباندورا من قبل البشر، تم التخلي عن هذا الموضوع طوال الفصل الثاني الطويل الذي يركز على الظروف الجديدة للأبطال ويذكرنا بأزمة المناخ العالمية، والهوس بالحياة الأبدية، والصيد الجائر في البحار، والاندماج في بيئة جديدة مع سكان المدينة الأصليين، والمخلوقات البحرية المبهرة. فوق هذا، لم تتحسن موهبة كاميرون في الكتابة والحوارات، إذ غالباً ما تذهب الحوارات بين الشخصيات إلى كلام ساذج بسيط لا علاقة له بالقصة. وإذا أضفنا بعض مشاهد الحركة غير الجذابة، ينتهي الفيلم والحبكة بسبب الطول المفرط وعدم التركيز على شيء معين. يقف الفيلم منذ البداية مع الشخصيات القديمة والجديدة وفكرة المدينة والعائلة، ويكمل فقط من خلال قوته السمعية البصرية. تمكن كاميرون من استخدام ترسانته الفنية بالكامل، ولكنه تعثر كما في السابق في بناء قصة وشرح المشكلة. نعم، النهاية هائلة، سريعة تتخللها جرعات كبيرة من التوتر الأسري والتشويق الحربي، والباقي كلاسيكي من أجل المصالحة والنظرة إلى المستقبل.
جيمس كاميرون ذو حسّ بصري استثنائي، لكنه يكافح عندما يتعيّن عليه بناء حبكة


جيمس كاميرون مخرج يتمتع بحس بصري استثنائي، لكنه يكافح عندما يتعين عليه بناء قصة وحبكة مع عدد كبير من الشخصيات. الصراعات تبدو نمطية للغاية، وفي بعض الأحيان يواجه الفيلم مشكلات في التوفيق بين طاقم الشخصيات الواسع. نعم أبهرنا كاميرون، ماذا بعد؟ وهنا نتحدث عن مصير السلسلة، إذا كانت الأفلام الباقية سوف تُعرض كما هو مخطط كل عامين، فكيف يمكن الحفاظ على هذه القصة الفارغة وإكمالها لأربع حلقات؟ «افاتار: طريق الماء» ليس الفيلم الذي سيجعلنا نحسب أيام العامَين المقبلين. سوف نتذكره على أنه أحدث جنون تكنولوجي سينمائي، وهذا أقل ما نتوقعه مع ميزانية كهذه. الجزء الثاني من «افاتار» يجب مشاهدته على الشاشة الكبيرة لأن هذا هو المكان الذي ينتمي إليه. فيلم سوف يبهرك ويسحبك بصنارته الطويلة ولونه الأزرق، ولكن احذر، فهذه الصنارة سوف تخترق رقبتك وبينما تسحبك نحو الماء، سوف تخبرك كم هو ممل الفيلم، طويل، ساذج وما نراه هو مجرد بريق زائف. «أفاتار» الجديد سيجذب كل من يذهب نادراً إلى السينما، ولكن إذا كان هذا فقط هو مستقبل التجربة والتطور السينمائيَّين، فهذا عار.

* «أفاتار: طريق الماء» في الصالات اللبنانية