يجدر بكم أن تموتوا حتى تكتمل الفكرة. لكن عليكم أيضاً أن تعيشوا بما يكفي لإنجاز حلقات المسلسل الثلاثين. هكذا يتعامل «عشرة عبيد زغار» (معالجة طوني شمعون وإخراج إيلي حبيب وإنتاج «مروى غروب») مع ممثليه (تقلا شمعون، كارلوس عازار، بريجيت ياغي، ريتا حرب، زياد أبو عبسي، جورج شلهوب...) حائراً بين القضاء عليهم، وبين إبطاء عملية موتهم ليسعه الاستمرار طيلة الموسم الرمضاني. لهذا كان على القضاء أن يأتي ـ خلافاً لعادته ـ متمهّلاً، يكاد الناس هنا يموتون حتى يدركهم الموت.
ثم يكون على السيناريو أن يمنح القاضي (شوقي متى) سلطة لا يملكها، فهو في جزيرة نائية بعيداً من قوسه ومطرقته وثوبه الأسود الباعث على الرهبة. ذات لحظة توتر، يندفع اثنان من «العبيد» العشرة لقتل ثالث. لكن «الريس» يحول دون ذلك اعتماداً على سطوته المعنوية وحدها. بوسع مشاهد (سيء النية) أن يتذكر حينها أنّ الكاريزما، مهما بلغ مداها، لا يسعها أن تردع قاتلين عن تنفيذ جريمة سعيا اليها طويلاً. حسناً سيكون متاحاً أمام المشاهدين الاستنتاج بأن المسألةِ لا تتعلق بسطوة مزعومة للقانون بقدر ما هي ضرورة تقنية لاستكمال العمل التلفزيوني الذي افترس ممثليه واحداً تلو الآخر. الموت التسلسلي الذي شكّل عماد القصة كان نقطة ضعفها الأبرز، فهو لم يسمح بمتسع من الدهشة أو المفاجأة، باعتباره المآل الوحيد الممكن. من ناحية أخرى، كان عدد الممثلين يتضاءل حلقة تلو أخرى، ما يفقر المشهد ويفقده حيويته. مأزق سعى القائمون على العمل إلى تجاوزه عبر ترميم الحراك الدرامي بتفعيل المخيلة وضخ جرعات متتالية من مخزونها في مجرى الأحداث. بوحي من هذه الرؤية، اندفعت كل شخصية نحو استعادة خطيئتها المقيمة، أملاً في تفريخ العقد الروائية وانقاذ العمل من ورطته البنيوية: توزيع عشرة طقوس للموت على ثلاثين حكاية. لم يأت العلاج شافياً. الحل المنطقي أن يكون لدينا ثلاثون ممثلاً أو أن تقتصر أيام رمضان على عشرة فقط.

يكفي أن تركّز
الكاميرا على أحد الممثلين حتى يتولّد يقين بأنّ أجله قد حان

كان بوسع العمل أن يمتلك عناصر مثيرة للاهتمام لو لم تسبقه رواية أغاتا كريستي التي استوحى أجواءها، ولو لم يبادر انطوان ولطيفة ملتقى لتجسيد الرواية تلفزيونياً، بنفس مسرحي، قبل عقود أربعة على «تلفزيون لبنان». رواج الرواية البوليسية، وبعدها العمل التلفزيوني، فرض على المسلسل الحالي الرهان على قدر استثنائي من تواطؤ المشاهدين معه، بحيث يتخلون عن كل ما تمتلكه ذاكرتهم حياله لينصرفوا نحو تقمص الدهشة، ولو افتعالاً، مع كل مشهد من مشاهده.
عندما تكون الحكاية مكشوفة بتفاصيلها وخلفياتها، وخواتيمها أيضاً، تغدو المهمة الدرامية أصعب، وتستدعي صياغة الأحداث المتوقعة بما يمكنها من اجتذاب المشاهد. في هذا السياق، يذهب «عرّاب الرعب» السينمائي الفرد هيتشكوك نحو الزعم بأنّ ترقّب الموت هو عنصر رئيس في إثارة المشاهدين. الأرجح أنّ بناة المسلسل استلهموا تلك المقولة وعملوا بوحي منها، لكنّ التجربة العملية لم تأت متوافقة مع الزعم النظري. كانت التوقعات تسبق الأحداث وتسلبها قدرتها على المباغتة. يكفي أن تركّز الكاميرا على أحد الممثلين حتى يتولد يقين بأن أجله قد حان. حينها، لا يعود بوسع الترقب أن يكون سيد الموقف ولا حتى أحد عناصره الرئيسة.
كان للمعضلة السردية التي وجد العمل نفسه أمامها أن دفعت أصحابه لاعتماد بعض الحيل الإخراجية في سياق الالتفاف عليها. وقعنا مثلاً على نوع من التمويه الزمني المبالغ فيه. لم يكن متاحاً رصد المرحلة الزمنية التي تجري فيها الأحداث. الاستدلال على الزمن عبر الديكور والملابس والملامح البشرية بدت دونه عقبات مفتعلة، كأن يصر أحد الممثلين على اعتمار قبعة عائدة للعصور الوسطى، ويطلق شاربه الكث ما يذكر بفرسان القصور الملكية قبل قرون غابرة، في حين يظهر ممثل آخر بملامح وأزياء مفرطة في عصريتها. في محاذاة الإرباك التاريخي الذي تقصده العمل، نقع على شيء من التورية الجغرافية أيضاً. ورغم اعتماده أسماء عربية لممثليه، لم يكن الحسم بشأن المكان الحاضن للأحداث ممكناً. ترافق كل ذلك مع ايحاءات متعددة: الظلمة المخترقة بأضواء خجولة خافتة، الملامح المطوقة بالتجهم الدائم، وأيضاً الإيحاء الخفي بأن سائق المركب الذي قاد الضحايا إلى أقدارهم (زياد عبسي) هو المسؤول عن موتهم. كل ذلك جاء في سياق المكملات التي سعت إلى تلوين اللوحة ثنائية اللون (حياة وموت)، لكنها لم تنجح في مهمتها دوماً.
الأرجح أنه كان يمكن للعمل المطوق بالموت، كحال الجزيرة التي احتضنت أحداثه، أن يعثر على طوق نجاة عبر رصد سلوكيات البشر حين يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع حتفهم واستراق النظر والسمع إلى نوعية التغييرات التي تطرأ على هواجسهم، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة من شخصياتهم في تلك اللحظات المفصلية. كان يمكن لذلك ـ لو حصل ــ أن يمنح «عشرة عبيد زغار» زخماً ايحائياً بدا في حاجة ماسة اليه بينما هو يعرض تفاصيله وفق ايقاع أحادي مبالغ في رتابته

* «عشرة عبيد صغار» يومياً 21:45 على قناة mtv




لغز التسمية

مقاربة العمل تستدعي التساؤل عن خلفية التسمية التي أطلقت عليه. ما معنى الحرص على مفردة «عبيد»؟ في الرواية الأصلية، تتحدث أغاتا كريستي عن «عشرة زنوج صغار». كذلك تفعل الأغنية العائدة لها. ذوو البشرة السوداء لم يعودوا عبيداً، كذلك لم تعد العبودية هي المرادف لكلمة Niggers. لقد ألغاها مخترعوها بعد مخاض عسير، فما معنى أن يصر عليها أصحاب المسلسل؟ ما مبرر هذا الحرص على تبني خطيئة أخلاقية تبرّأ منها أصحابها والانسانية جمعاء؟ هل كان الهدف نوعاً من الاتكاء الإعلاني على النسخة السابقة للمسلسل أم أنّ الأمر لا يتعدى زلة لسان؟ المصيبة إذا كانت الحالة الثانية!