انطلق أخيراً عرض دراما مشتركة لبنانية سورية تحت عنوان «ستيلتو» (تأليف لبنى مشلح ومي حايك، وإخراج إندر إيمير) على شاشة mbc4 ومنصة «شاهد». يدور «ستيلتو» حول أربع صديقات منذ أيام الدراسة، تشاء الظروف أن تجمعهن بعد سنوات طويلة، فيبدأن بنبش الماضي والانتقام وهو من بطولة كاريس بشار، ديما قندلفت، ندى أبو فرحات، ريتا حرب، قيس الشيخ نجيب، بديع أبو شقرا، سامر المصري، كارلوس عازار و نور علي. السؤال الذي يطرح نفسه بعد متابعة المسلسل، وهو نسخة عربية طبق الأصل من المسلسل التركي «جرائم صغيرة»، ما هي القضية القومية الفائقة الأهمية التي يعالجها وقد جعلته يحتل المراتب الأولى في نِسَب المشاهدة في دول عربية عدّة؟وهل عجزت نساء العرب عن إنجاب كاتب أو كاتبة لتأليف نص أصيل يمتّ بصلة أكبر للواقع اللبناني أو السوري حتى اضطر صُنّاع المسلسل لاستيراد خلطات عجيبة من الدراما التركية؟
يقوم المسلسل على الإبهار البصري من خلال اعتماد الديكورات الباهظة الثمن، إذ تعيش الشخصيات في «كومباوند» يُفترض أنه في لبنان لكن لا شيء فيه يوحي بذلك، فالبيوت بديعة من حيث الأثاث والتصميم الهندسي والألوان المبهجة، والكهرباء متوافرة (خلافاً للواقع اللبناني) والشوارع في غاية النظافة والترتيب. يبدو كأن جميع سكان «الكومباوند» يعيشون حياة أرستقراطية مرفّهة لا تشبه حياة تسعين في المئة من مواطني الدول العربية. أما البطلات فيظهرن كأنهن في عرض أزياء مستمر. هن دوماً في غاية الأناقة والجمال أو كما يُقال «على سنغة عشرة»، ويرتدين في معظم المشاهد فساتين سهرة وتصاميم راقية. هذا الأمر يوقعنا في حيرة، نحن الناس العاديين، فنتساءل أين تعيش هؤلاء النساء اللواتي يبدون ساحرات فاتنات طوال الوقت؟ ثم نرى هؤلاء السيدات يقمن دوماً بإعداد حلوى «التشيز كيك» للاحتفال بمناسباتهن الخاصة؟ أين اختفى الأرز بحليب والمفتقة والمغلي والعوامات؟
قصة المسلسل غير قابلة للتصديق وغير منطقية، تدور حول سيدة تُدعى ألما (كاريس بشار) وصديقاتها اللواتي تآمرن عليها أيام الدراسة ونصبن لها كميناً كي تبدو أمام الجميع على علاقة بالأستاذ خالد (بديع أبو شقرا). بسبب هذه المكيدة، تتحطم حياة ألما وخالد ويُطرد الأخير من عمله. بعد سنين، تلتقي ألما بهؤلاء الصديقات الشريرات، ومع ذلك تتعامل معهن بإيجابية وتقبل دعواتهن المتواصلة على العشاء والغداء وتوافق على الإقامة معهن في «الكومباوند»، كما لو أنه يوجد إنسان طبيعي يستطيع التعامل مع من أساء إليه بكل أريحية. لكن الصديقات الماكرات يحاولن تدمير حياة ألما مجدداً. بالرغم من كل الشر الذي يضمرنه لها، تستمر ألما في لعب دور الملاك الهابط من السماء وتستجيب لدعواتهن إلى مختلف المناسبات الاجتماعية. يشارك في هذه اللقاءات أحياناً الأستاذ خالد الذي عاد من الماضي لأنه لم يجد ما يفعله منذ الحادثة إلا البكاء على الأطلال، فلم يبحث مثلاً عن عمل آخر ولم يتزوج ولم يفعل أي شيء مهم في حياته.
الغريب أنّ ألما، رغم أنّها طبيبة ناجحة، تقضي أوقاتاً طويلة في حضور السهرات والحفلات ومناقشة تفاصيل حياتها مع الأستاذ خالد، فمتى تعالج هؤلاء المرضى المفترضين؟ وحده مؤلف السيناريو يعرف! وألما لم تجد أحداً كي تقع في غرامه من النظرة الأولى في «الكومباوند» إلا كريم (قيس الشيخ نجيب) زوج صديقتها اللدودة فلك (ديمة قندلفت) التي دمّرت حياتها سابقاً. تتعذب ألما بسبب مشاعرها نحو كريم، ونحن نتعذب كمشاهدين أثناء متابعتنا لقصّة الغرام هذه لأننا أدركنا كم كنّا ساذجين عندما درسنا في كتب الأدب أن قصة حب قيس وليلى لا مثيل لها، لكن ها هي قصة كريم وألما تضاهيها عشقاً وهياماً! ولا ننس طبعاً نظرات الوله والوجد التي يتبادلها ألما وكريم التي تصيبنا نحن المشاهدين العُزل في مقتل. أما فلك التي تضطلع بالدور الشرير المتسلّط، فيبدو أنها متخصّصة فقط في تدبير المكائد والكمائن حول طاولة الطعام، تعاونها في ذلك صديقتها جويل التي تغار على زوجها طارق من ألما لأنه كان يحبها خلال سنوات الدراسة.
تدور معظم أحداث المسلسل البطيئة أثناء الدعوات على موائد الطعام في الأماكن الفخمة، ويتم خلالها تبادل النظرات الطويلة بين الممثلين وإجراء الحوارات البالغة الخطورة. عندما تتكلم إحدى الصديقات، نرى الكاميرا تركز مطولاً على وجوه بقية الأبطال التي تبدو دائماً في حالة قلق وصدمة. أما المشاهد الرومانسية المفترضة بين كريم وألما، فمصطنعة ولا تنقل لنا الأحاسيس العميقة التي تجمعهما وفقاً للقصة. لا ندري ما الذي يضيفه مسلسل مماثل لنجمة مثل كاريس بشار التي تملك في رصيدها أدواراً عظيمة محفورة في ذاكرة الجمهور، خصوصاً في مسلسلي «ليالي الصالحية» و«غداً نلتقي»؟ لماذا قررت أن تلعب دور سندريلا المضطهدة؟ كذلك الأمر بالنسبة إلى قيس الشيخ نجيب وسامر المصري وبديع أبو شقرا وهم نجوم محبوبون اعتدنا تأديتهم أدواراً صعبة ومركّبة؟
لا ندري ما الذي يضيفه مسلسل مماثل لنجمة مثل كاريس بشار


من بين القصص شبه الخرافية التي يتناولها المسلسل، نجد أنّ قصة نايلة هي الأقرب إلى التصديق والواقع، فنايلة زوجة محبة وأم متفانية تُصدم بخيانة زوجها (سامر المصري)، فتنهار وتطلب الطلاق، ثم تحاول بناء حياتها مجدداً. معاناة نايلة مألوفة، إذ نسمع كل يوم عن رجل هجر عائلته وبحث عن امرأة أخرى، بحجة أنّ زوجته لا تفهمه كونه خليفة آينشتاين ويصعب سبر أغواره الفكرية العميقة. وقد تمكّنت ندى أبو فرحات من تجسيد دور الزوجة المخدوعة والأم المثالية، فلم نشعر أنها تمثل وكان أداؤها طبيعياً.
«ستيلتو» لا يقدم حبكة قصصية مهمة ولا يتميز بأي عمق فكري أو فني، لكنه يعجب الجمهور. لعلّ سرّ نجاحه، يكمن في أنه يمنح الناس فسحة لنسيان واقعهم المزري والكئيب والتلهي بالمؤامرات والمكائد «النسائية» والقيل والقال، أو ربما بسبب ستايل الحياة الأنيقة والمرفهة التي يقدمها للمشاهد الذي يعيش في فقر مدقع ويحلم فقط برؤية الكهرباء لمدة ساعة في النهار أو حتى بتأمين صفيحة مازوت للشتاء.

* «ستيلتو» على «شاهد»