منذ مدة، بدأت الحياة الثقافية تعود تدريجاً إلى سابق عهدها عبر المهرجانات والتظاهرات التي كنّا اعتدنا عليها قبل الأزمة والجائحة. يرى البعض في هذه الأحداث متنفّساً وفسحة أمل وفرصة للاستقالة مؤقّتاً من الواقع وطريقة للاستمرار والمقاومة. في هذا الإطار، يعود مهرجان «مسكون» في دورة سادسة حضورية بالكامل، بعدما اكتفى المنظّمون في السنوات الأخيرة بدورة افتراضية وأخرى نصف حضورية بسبب الأوضاع التي فرضت واقعاً جديداً. يتوجّه «مسكون» خصوصاً الى محبّي أفلام الرعب والفانتازيا والخيال العلمي والكوميديا السوداء، وبشكل عام الى كل الراغبين في مشاهدة أفلام «جنر» بعيداً من الأنماط الهوليوودية. منذ انطلاقته عام 2016، يُعتبر «مسكون» أول حدث مخصّص لنوع معيّن من الأفلام في المنطقة. إضافة إلى الأفلام الأجنبية التي طبعت هذا المجال، يخصص المهرجان جزءاً كبيراً من برمجته أيضاً للأفلام المحلية، مواكباً تطوّرها على مرّ السنين. تقول لنا مديرة المهرجان ميريام ساسين: «منذ الدورة الأولى عام 2016، رغبنا في إظهار أن هناك أفلاماً غير هوليوودية ولا تجارية، تنتمي إلى سينما المؤلف وتتوجه إلى عدد كبير من الناس وتتحدث عن مواضيع اجتماعية وقد تحتوي على نقد سياسي. أردنا أيضاً أن نشجّع المخرجين اللبنانيين والعرب على صناعة أفلام من هذه الأنماط، ليكون هناك تنوّع في السينما العربية، بعيداً عن أفلام الدراما الاجتماعية والكوميديا التجارية السائدة. حرصنا على تطوير المهرجان منذ البداية، فأضفنا في الدورة الثانية مسابقة الأفلام القصيرة اللبنانية المنتمية إلى هذا الجنر. كما أقمنا في كل دورة ندوات حول صناعة الأفلام. منذ العام الماضي، أصبحت المسابقة تضمّ أفلاماً عربية. وفتحنا ورشة عمل لتطوير أفلام روائية طويلة لأننا شعرنا أن الأفلام العربية غير الدرامية، تجد صعوبةً في إيجاد مكانها في العالم العربي. لا يزال المنتجون والمخرجون لا يدرون كيف يطوّرونها ويموّلونها. وهذا المهرجان وُجد لهذه المساحة أيضاً».
على الرغم من الطموح في النمو والتوسع في البرمجة، رأى منظمو المهرجان هذا العام أنفسهم مجبرين على إطلاقه بنسخة مصغّرة الوضع الحالي الصعب في البلد. يقتصر الحدث في دورته السادسة على عرض أربعة أفلام عالمية طويلة، إضافة الى عملين روائيين طويلين من العالم العربي و10 أفلام عربية قصيرة مشاركة في مسابقة المهرجان. في المقابل، ينطلق المهرجان بفيلم مهم، حاز السعفة الذهبية في «مهرجان كان» هو «مثلث الحزن» (راجع المقال المقابل). عن برنامج الدورة، تخبرنا ساسين: «تبلغ أفلام البرنامج ستة، لكننا فخورون بعرضها، علماً أنها أحدثت ضجة عالمياً. ننطلق مع «مثلث الحزن» وهو كوميديا سوداء، ونمط نحبّ دعمه وتسليط الضوء عليه. ففي البلدان العربية، هناك مجال لصناعة أفلام مماثلة. كما نعرض ثلاثة أفلام رعب أولها Speak no Evil (عرض مساء 13 ك1) الذي عُرض في «مهرجان سانداس»، وفيلم «بيغي» (14 ك1) للمخرجة الإسبانية كارلوتا بيريدا التي عرضنا فيلمها القصير بالعنوان نفسه في دورة سابقة من مهرجان «مسكون». وكان من المفترض أن نستضيفها في لبنان، ولكنّ الدورة تلك جرت عبر الإنترنت بسبب الوباء، وكان اللقاء افتراضياً. نحن سعداء جداً بعرض فيلمها الطويل الأول الآن. أما الفيلم الثالث، فهو «ديدستريم» (15 ك1) للمخرجين الأميركيين جوزيف وفانيسا وينتر. ينتمي العمل إلى الرعب الكوميدي، ونشعر أن الجمهور سيتفاعل معه. فهو مسلّ وفيه انتقاد لمواقع التواصل الاجتماعي والإنفلوانسر وكل هذه العوالم. من جهة أخرى، هناك فيلمان من العالم العربي يظهران سينما لم نعتد رؤيتها في منطقتنا وهي في نظري مستقبل السينما العربية. إنها أفلام شخصية جداً تُعتبر سينما مؤلف، لكنها تتبع أيضاً قوانين الجنر الذي تنتمي إليه، كما أنها قادرة على الوصول إلى جمهور أوسع». أقصد فيلم «أشكال» (15 ك1) للمخرج التونسي يوسف الشابي، هو ثريلر تدور أحداثه على خلفية الثورة التونسية عُرض للمرة الأولى في «أسبوعَي المخرجين» في «مهرجان كان». يحلّ المخرج ضيفاً على المهرجان برفقة المنتج فارس لعجيمي لتقديم الفيلم والمشاركة في حلقة نقاشية تتناول تفاصيل صناعة هذا الفيلم. أما الفيلم العربي الطويل الثاني، فهو «الحارة» (16 ك1) للأردني باسل غندور الذي يقدّم فيلمه الأول كمخرج. يسلّط الشريط الضوء على المجتمع الأردني المعاصر. وسيتولى أيضاً إدارة ورشة عمل حول كتابة السيناريو». تضيف ساسين: «كل الأفلام المعروضة تظهر أنه بالإمكان إنجاز سينما مؤلف وفي الوقت عينه تكون مسلّية ومشوّقة تتوجّه إلى جمهور أوسع. وهذا أكثر ما نسلّط عليه الضوء في مهرجاننا. أفلامنا القصيرة كلها من العالم العربي وتُختار على أساس الجنر والموضوع والإخراج وطريقة استخدام النمط لإخبار القصة. هذا العام لدينا أفلام قصيرة من الإمارات وقطر وتونس والمغرب ولبنان، وهي أول دورة تتمتع بكل هذا التنوّع. ستختار اللجنة المؤلفة من كارول عبود وبسام الأسعد وباسل غندور، أفضل فيلم كي يشارك في مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان «فانتسبوا» في البرازيل. كما سيُعرَض العمل الفائز بجائزة أفضل فيلم لبناني قصير في مهرجان «سينيميد» في مونبولييه. الجوائز غير مادية، لكنّ هدفها أن تجعل الفيلم يكمل حياته ويُعرَض في بلدان أخرى، ملقياً الضوء على نمط سينمائي من العالم العربي».
ينتمي «ديدستريم» إلى الرعب الكوميدي، ويوجّه نقداً إلى مواقع التواصل الاجتماعي والإنفلوانسر


واجه المنظّمون الكثير من الصعوبات لإيجاد تمويل للمهرجان هذا العام بسبب الوضع الاقتصادي. تقرّ مديرة «مسكون» بأنّ إقفال صالة «متروبوليس» كان خسارة كبيرة وضربة قاسية لأن المهرجان كان يجري هناك في مرحلة ما قبل انتشار كوفيد. لذلك، «كنا سعداء بأن يستقبلنا المركز الفرنسي، وهذا ما سمح لنا بتقديم العروض مجاناً للجمهور في صالة «مونتاني». في الوقت عينه، ننظّم يومين في جامعة الـ«ألبا» حيث سيدير ضيوف ومنتجون لبنانيون حلقات نقاش حول كتابة السيناريو وصناعة الأفلام في الوضع الاقتصادي العالمي الراهن والطرق المستدامة للتصوير. نسعى في كل دورة إلى التطور وإضافة الأفكار والذهاب إلى مكان أبعد. لكنها ستكون أصغر دورة تقتصر على 6 أفلام طويلة و10 قصيرة وحوارات نقاش. لم تكن هناك مستجدات هذا العام، لكن أصررنا على إقامة المهرجان ولو بنسخة مصغّرة كي نتمكن من أن نلتقي مع الجمهور مجدّداً. بدأت منذ الآن البحث عن دعم لكي يعود المهرجان العام المقبل بصيغة أوسع».

* مهرجان «مسكون»: بدءاً من اليوم حتى 16 كانون الأول (ديسمبر) ـــ صالة «مونتاني» (المركز الفرنسي في لبنان ــ بيروت) ـــ للاستعلام: beirutdc.org/maskoon