القاهرة | مع كلّ حادث على الساحة السياسية، يبدأ كُل فريق بتقديم أطروحته والانحياز إلى جانب من جوانب الصراع. المختلف في الآونة الأخيرة أنّ تلك الصراعات السياسية ليست ـــ في أغلب الأحيان ـــ بين قطبين أو طرفين واضحين، بل إن كُلّ جدلية تضم أطرافاً عدة، يشدّ كل منها ويجذب مع الآخرين. تغيّرت خريطة السياسة بشكل واضح وازداد التداخل بين أطراف الصراع وتعمّق الجدل إلى ما هو أوسع وأخطر. لكن بقيت قضية فلسطين هي الواضحة التي لم يمتزج فيها حقٌ بباطلٍ، ولم ينتقل أحد بين معسكريها إلا القليل. الصراع هنا بين مغتصب وصاحب حق، بين معتدٍ ومقاوم، بين شَعب صامد مُبدع، ومُحتل لا يُبدع إلا في وسائل القتل وسلب الحق.
مع العدوان الصهيوني الحالي على غزّة، ظهرت على الساحة المصرية آراء كثيرة داعمة ـــ كالعادة ـــ لحقّ الشعب الفلسطيني في المقاومة والسير نحو النصر الموعود. وظلّت الأصوات الداعمة للاحتلال كما هي، لكنها تلوّنت هذه المرّة وتوارت خلف ادعاءات كثيرة. ربما على رأس هذه الادعاءات جاءت محاولة الخلط بين بعض فصائل المقاومة والقضية نفسها، وأيضاً الادعاء بأنّ المقاومة هي السبب الذي «استفز» الاحتلال واضطره إلى ضرب القطاع بمدنييه. ولعل من أبرز الوجوه المحسوبة على دعاة التطبيع التي ظهرت أخيراً برأيٍ ليس صادماً لمتابعيها الكاتبة لميس جابر. قبل يومين، علقّت الأخيرة على صفحتها الشخصية على فايسبوك أنّه في الوقت الذي «ترسل فيه الحكومة المصرية إمدادها لقطاع غزة، يقوم الغزّاوية بقتل المصريين»، وخلطت في المواقف بين قيادات المكتب السياسي لحركة «حماس» ومواقف أبناء القطاع الصامد أمام الاحتلال.

كتبت على
فايسبوك أنّه يجب اعتبار المصريين المتضامنين مع غزة خونة!

ذيّلت كلامها ذلك بمطالبة القيادة المصرية بإغلاق معبر رفح بشكل دائم في الاتجاهين، بمعنى منع استقبال المصابين من القطاع ومنع دخول الإمدادات الطبية والغذائية، وإلغاء مصطلح «الحالات الإنسانية» من قاموس التعامل مع غزة، أي أن تتجاهل السلطات المصرية الحالات التي تحتاج إلى إغاثة من أبناء القطاع. وطالبت باعتبار المصريين المتضامنين مع غزة متّهمين بالخيانة العظمى كي تتم محاكمتهم على تضامنهم. وأضافت جابر إلى ذلك لعناتها للقوميّة العربية التي وصفتها بأنها قد تسبّبت بإراقة دماء المصريين في سبيلها. طبعاً، لم تقل جابر هذا حين سقط جنود مصريون بنيران قوات الاحتلال على الحدود عام 2011، كأنّ الموت على أيدي قوات الاحتلال لا يستحق التعليق. اللافت أنّ لميس جابر أنجزت أعمالاً عدة، أبرزها مسلسل «الملك فاروق» الذي كان يمجّد شخص المَلك والحقبة التي كان يحكم خلالها تحت الاحتلال البريطاني لمصر... تلك الفترة التي شهدت حرب 1948 واستشهد فيها عدد كبير جداً من الجنود المصريين بسبب صفقة الأسلحة الفاسدة التي كان «فاروق» وسيطاً فيها.