تُقيم آنيا سليمان معرضها الأوّل في بلد عربيّ تحت عنوان Terraform الذي يستمرّ حتى الثاني من كانون الثاني (يناير) في «غاليري صفير زملر» (الكرنتينا) يضمّ المعرض مجموعة من الأعمال القماشيّة التي أنجزتها في محترفها الباريسيّ، وهي منفّذة على أقمشة ذات أحجام جداريّة رسمت عليها خلال إقامتها في بيروت وتعرّفنا على الطبيعة وفق رؤيتها الخاصة. ولدت الفكرة أثناء الحجر الصحّي في فترة كورونا حيث «تخيّلت هجرة الناس إلى كوكب آخر يسهل فيه العيش وتتوافر فيه مقومات البقاء» وفق الفنانة.نتأمّل ‏في أعمال سليمان، فنرى طموحها في تحميل أعمالها معان وإيحاءات ونظرة واسعة للطبيعة وعلاقة المحيطين بها. تجريد يظهر في ذوبان عناصر الطبيعة في الوجوه إلى درجة الامّحاء وضعف الملامح. يمكن إدراج المعرض في خانة الرمزيّة حيث يلعب اللون دوراً أساسيّاً. نرتاح من ناحية لهذه الرمزيّة التجريديّة المعبّرة، ونرى من ناحية أخرى تعبيراً مباشراً للوجوه المفترض أن تشكّل جزءاً من الغموض التجريديّ. كأنّ ثمة تنافراً وتضادّاً بين التجريد والتجسيد، ما يضعف الرمزيّة التي تفترض إيحاءً غير مباشر. إنّها ثنائيّة الأسلوب والمضمون إلى درجة نخال معها أنّ معرضين مختلفين جُمعا في معرض واحد. ثمة انتقال من مناخات إيحائية وشعرّية إلى مناخات أخرى مناقضة مليئة بالمباشر. لدينا مثلاً صفّ متحاذٍ من المقاعد «التنكيّة» لا ينسجم البتّة مع باقي محتويات المعرض الطبيعيّة والتجسيديّة.

«تيرّافورم 1» (أقلام تلوين وحبر أكريليك على ورق ــ 4 ألواح ــ 280 × 115 سنتم ـــ 2022)

‏وفي تلك المقاعد تغيب المخيّلة وتحضر الصنعة التي يمكن أن يقوم بها أيّ شخص، وتذكّرنا بعمل سورياليّ قديم هو «كرسي الحمّام»، أو بهواتف ونظّارات أليفة للعين، وكان المقصود آنذاك أنّ في وسع أيّ امرئ أن يكون فنّاناً وأن يحوّل أي غرض إلى مادّة للعرض، عملاً بمبدأ «الديموقراطية الفنية» في المفهوم السورياليّ. الغريب أنّ هذه المقاعد غير مدرجة في كاتالوغ المعرض، ما يعني أنّها أُقحمت فيه كإضافة ‏نافرة ومتناقضة مع مضمونه الأساسيّ، أي اللوحات الطبيعيّة. أمّا زعم الفنانة بأنها تمارس «فنّاً مفاهيميّاً» فلا يصحّ في هذا المجال، لأنّ الفنّ المفاهيميّ ينطوي على نظريات فكرية أو سياسية أو أيديولوجيّة، ولأنّ معرضها الأساسيّ رمزيّ فلا تنطبق عليه صفة «المفاهيميّة»، إذ يقوم على المخيّلة وما توحي به وتخفيه. معرض آنيا سليمان مشتّت أسلوباً ومضموناً بين لوحة وجداريّات قماشيّة ومقاعد «تنكيّة» (تجهيز عبارة عن إعادة تشكيل لما يسمى «الديوان» مؤلف من مقاعد صُنِعت من حاويات نفطٍ أعيد تدويرها).
انتقال من مناخات إيحائية وشعرّية إلى مناخات مناقضة مليئة بالمباشَرة

كما يضم رسوماً بالحبر الأبيض على الورق الأسود، لأوراق نقدية تعكس مدى الأرق والهواجس والتوجّسات التي تكتنف حياة اللبنانيين، وعملات أخرى من بعض الدول العربية التي تعاني أيضاً من العجز المالي كالعراق. كما أنّها تعتمد أحاديّة اللون وهذا مقبول لكنه ليس جديداً، إذ نراه مثلاً في أعمال الفنان الفرنسيّ الراحل بيار سولاج. تقتفي آنيا هذا الأسلوب، إنما باللونين الأبيض والأزرق أو الأصفر. آنيا سليمان فنانة مفاهيمية مصرية الأصل وبولندية- أميركية، نشأت في بغداد وتعيش في باريس، عُرفت برسومها المنفّذة على أحجام كبيرة انطلاقاً من التصويرات الرقمية والمواد الأرشيفية، كما عُرفت بفن الأداء والفيديو والتجهيز. تشكل رسومها هيكلاً بحثياً معقداً ومتشابكاً ينظر في كيفية الانتقال من النظرية إلى الممارسة، ومن رؤية العالم إلى العوالم أو من نظرية المعرفة إلى أنطولوجيا المعرفة (على حد تعبير الناقد تشوس مارتينيز).

* Terraform: حتى 2 كانون الثاني (يناير) ــ «غاليري صفير زملر» (الكرنتينا) ـ للاستعلام: 01/566550