وفي تلك المقاعد تغيب المخيّلة وتحضر الصنعة التي يمكن أن يقوم بها أيّ شخص، وتذكّرنا بعمل سورياليّ قديم هو «كرسي الحمّام»، أو بهواتف ونظّارات أليفة للعين، وكان المقصود آنذاك أنّ في وسع أيّ امرئ أن يكون فنّاناً وأن يحوّل أي غرض إلى مادّة للعرض، عملاً بمبدأ «الديموقراطية الفنية» في المفهوم السورياليّ. الغريب أنّ هذه المقاعد غير مدرجة في كاتالوغ المعرض، ما يعني أنّها أُقحمت فيه كإضافة نافرة ومتناقضة مع مضمونه الأساسيّ، أي اللوحات الطبيعيّة. أمّا زعم الفنانة بأنها تمارس «فنّاً مفاهيميّاً» فلا يصحّ في هذا المجال، لأنّ الفنّ المفاهيميّ ينطوي على نظريات فكرية أو سياسية أو أيديولوجيّة، ولأنّ معرضها الأساسيّ رمزيّ فلا تنطبق عليه صفة «المفاهيميّة»، إذ يقوم على المخيّلة وما توحي به وتخفيه. معرض آنيا سليمان مشتّت أسلوباً ومضموناً بين لوحة وجداريّات قماشيّة ومقاعد «تنكيّة» (تجهيز عبارة عن إعادة تشكيل لما يسمى «الديوان» مؤلف من مقاعد صُنِعت من حاويات نفطٍ أعيد تدويرها).
انتقال من مناخات إيحائية وشعرّية إلى مناخات مناقضة مليئة بالمباشَرة
كما يضم رسوماً بالحبر الأبيض على الورق الأسود، لأوراق نقدية تعكس مدى الأرق والهواجس والتوجّسات التي تكتنف حياة اللبنانيين، وعملات أخرى من بعض الدول العربية التي تعاني أيضاً من العجز المالي كالعراق. كما أنّها تعتمد أحاديّة اللون وهذا مقبول لكنه ليس جديداً، إذ نراه مثلاً في أعمال الفنان الفرنسيّ الراحل بيار سولاج. تقتفي آنيا هذا الأسلوب، إنما باللونين الأبيض والأزرق أو الأصفر. آنيا سليمان فنانة مفاهيمية مصرية الأصل وبولندية- أميركية، نشأت في بغداد وتعيش في باريس، عُرفت برسومها المنفّذة على أحجام كبيرة انطلاقاً من التصويرات الرقمية والمواد الأرشيفية، كما عُرفت بفن الأداء والفيديو والتجهيز. تشكل رسومها هيكلاً بحثياً معقداً ومتشابكاً ينظر في كيفية الانتقال من النظرية إلى الممارسة، ومن رؤية العالم إلى العوالم أو من نظرية المعرفة إلى أنطولوجيا المعرفة (على حد تعبير الناقد تشوس مارتينيز).
* Terraform: حتى 2 كانون الثاني (يناير) ــ «غاليري صفير زملر» (الكرنتينا) ـ للاستعلام: 01/566550