عمل النظام السعودي على تصميم القوانين القضائية لتكون فضفاضة وغامضة، توافق مزاج ولي العهد محمد بن سلمان الذي يدفع أموالاً طائلة على الترفيه بهدف تغطية الانتهاكات والجرائم التي يأمر بتنفيذها خلف أضواء الحفلات الموسيقية والمهرجانات البرّاقة. أمر مكّن الرياض من اعتقال الناشطين وفقاً لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتصنيف أي انتقاد للسلطات بأنه عمل إرهابي. هذا ما كشفته أحكام السجن الأخيرة ضد مدونين ونشطاء سلميين ارتأت المحكمة الجزائية المتخصّصة أنّ التعبير عن رأيهم يساوي الإرهاب. منظمة «Coda Media لمكافحة التقنيات الاستبدادية»، استنكرت في أحد تقاريرها الاعتقالات التي تجري في المملكة، موردةً: «في السعودية الآن؛ يُقبض على الناس بسبب التزامهم الصمت أو بسبب ما قالوه قبل عشر سنوات، أو لقولهم أموراً من حسابات مجهولة. ويمكن للحكومة أن تقبض عليك بسبب أشياء لا تقولها». وأضافت: «منذ أن أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد عام 2017؛ استخدم قوانين الجرائم الإلكترونية ومحكمة أمن الدولة، لإغلاق المجال أمام الرأي العام تماماً، لأنّه لا يحترم رأي المجتمع السعودي».الدولة البوليسية التي يقودها ابن سلمان، أطلقت أخيراً أحكام سجن قاسية ضد نورة القحطاني وسلمى الشهاب، وسعد إبراهيم الماضي (72 عاماً). الأخير مواطن يحمل الجنسية الأميركية، حُكم عليه بالسجن 16 عاماً، مع حظر للسفر لمدة 16 عاماً أخرى بسبب 14 تغريدة نشرها خلال تواجده في أميركا، انتقد بعضها الفساد في المملكة. إذا قضى الماضي عقوبته بأكملها، فسوف يغادر السجن في عمر الـ 87، وسيضطر إلى العيش لسنّ يتجاوز المئة عام، قبل أن يتمكن من العودة إلى عائلته في فلوريدا الأميركية! وكانت السلطات السعودية قد حذرت أفراد عائلة الماضي، طالبةً منهم التزام الصمت وعدم إشراك الحكومة الأميركية في القضية، في حين اعترف نجل الماضي في تقارير لوسائل إعلامية، إن والده تعرّض للتعذيب بعد اتصالهم بوزارة الخارجية الأميركية للكشف عن مصير والدهم في آذار (مارس) الماضي.
وتشير مصادر صحافية وحقوقية إلى أنّ أكثر من 14 ناشطاً سعودياً اختفوا قسرياً، بالرغم من استخدامهم حسابات وهمية تنتقد السياسات والقمع في المملكة في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) من العام الماضي. وتكشف المصادر أنّ بعضهم يتعاون مع مجموعة «النحل الإلكتروني» التي أسّسها الصحافي الراحل جمال خاشقجي بهدف مكافحة المعلومات المضلّلة. وكُشفت بعض أسماء المعتقلين منهم عبد الله جيلان ولينا الشريف، وأسماء السبيعي (22 عاماً). وبالرغم من نداءات الأمم المتحدة للكشف عن مصير السبيعي ورفاقها، ظهرت على قناة «أم. بي. سي» في حزيران (يونيو) الماضي، وهي تغني في حفلة على «مسرح سجن الحائر» في الرياض، بعدما احتُجزوا لأسابيع وأشهر طويلة ورفض طلبهم بالاستعانة بمحامين، وسط أنباء عن تعرضهم للتعذيب واتهامات بارتكاب جرائم أمنية وإرهابية وخضوعهم لمحاكمات سرية، ستنتهي غالباً بأحكام طويلة وقاسية.
حملات القمع الواسعة على المعارضين والمثقفين والنشطاء مستمرة، في الوقت الذي تدفع فيه الحكومة السعودية أموالاً طائلة لجلب نجوم ومؤثرين عرب وأجانب على مواقع التواصل لقضاء إجازة مدفوعة في السعودية مخصّصة لتلميع صورة النظام، يقولون فيها «نعيش تجربة علاء الدين في السعودية». من بين هؤلاء الإسرائيلية ألين تامير التي أعلنت أن هيئة السياحة السعودية غطّت نفقاتها كافة التي تجاوزت 10 الآف دولار ونشرت خلالها صوراً وتسجيلات عن رحلتها إلى المملكة الشهر الماضي. في الجانب المظلم من الصورة التي تحاول المملكة إظهارها للعالم، أصدرت المحكمة حكماً بالسجن لمدة 25 عاماً على الناشط داود العلي بسبب تغريدات تعارض إمكانية التطبيع مع كيان العدو. أمر علّقت عليه صحيفة «نيويورك تايمز» بالقول: «في السرّ، يشكو بعض السعوديين من أن دفع الحكومة نحو فعاليات الترفيه؛ يهدف إلى إلهاء الشعب عن التحديات الاقتصادية، مثل ارتفاع معدّل البطالة بين الشباب، والتحديات السياسية، والافتقار إلى حرية التعبير»، إذ يمكن أن تؤدي تغريدة تشكو واقع الحال قد لا تحمل اسم كاتبها الحقيقي، إلى سنوات طويلة خلف القضبان. وتتّهم منظمات حقوقية الأحكام القاسية الصادرة أخيراً ضد ناشطين، كونها تعكس التعيينات الأخيرة التي قام بها ولي العهد في المحكمة الجنائية المتخصصة، إذ تم تعيين مسؤولين أمنيين يفتقرون إلى التدريب الأساسي كقضاة، بهدف معاقبة المعارضين بأحكام مرعبة.
وكشف موقع Intercept أنّ شركة IronNet التابعة لرئيس جهاز الأمن القومي الأميركي السابق كيث الكسندر، وقّعت صفقة مع الحكومة السعودية عبر سعود القحطاني (يد MBS اليمنى)، للمساعدة في تدريب سعوديين في مجال القرصنة والتجسّس الإلكتروني قبل أشهر من مقتل جمال خاشقجي في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2018. جاء ذلك بالتزامن مع حملة ضد منتقدي نظام المملكة في الخارج، تلقّوا رسائل تهديد من القحطاني شخصياً. في هذا الجانب أيضاً، اعترف المعتقل السعودي إبراهيم الحصين، أمام محكمة أميركية بذنبه في تهمة استخدام حسابات وهمية عبر التواصل الاجتماعي بهدف مضايقة معارضين لنظام ابن سلمان في أميركا وكندا، بالتنسيق مع تركي آل الشيخ حين كان مسؤولاً في «الهيئة العامة للرياضة» وقبل تسلّمه فعاليات الترفيه بميزانية مفتوحة مكافأةً له على وفائه لولي العهد. الحصين وهو مسؤول سابق في الديوان الملكي السعودي، كان قد أبرم اتفاقاً مع النيابة العامة الأميركية، مقابل الإدلاء بكافة المعلومات عن الحسابات التي خصّصها لتهديد معارضين سعوديين، وتقديم معلومات عن المسؤولين عن عمله في المملكة، وصدر الحكم ضد الحصين قبل أيام تضمن السجن شهرين وغرامة 4000 دولار والبقاء تحت المراقبة لمدة سنة ثم الإبعاد عن الأراضي الأميركية.
مخاوف من وصول الرياض إلى ربح مقعد في مجلس إدارة الموقع


محاكمة الحصين جاءت بالتزامن مع فتح نقاش في البيت الأبيض حول مراجعة الأمن القومي لعملية شراء إيلون ماسك لموقع تويتر، ما يفتح العين على حصة «المملكة القابضة» التابعة للصندوق السيادي السعودي، ومخاطر التجسّس المضاد المحتملة والمخاوف من وصول الرياض إلى ربح مقعد في مجلس إدارة تويتر، ما يمكّنها من الوصول إلى المعلومات الخاصة بالحسابات، بحسب صحيفة «واشنطن بوست». وكان جهاز الاستخبارات الأميركي قد نشر سابقاً صوراً لمطلوبين سعوديين عملوا في تويتر، وكانت لهم حرية الوصول إلى أكثر من 6000 حساب لمستخدمين، منهم علي الزبارة (عمل مهندس تدقيق في تويتر في مقرها الرئيسي في كاليفورنيا)، وأحمد المطيري الذي يعمل مساعداً لمدير مكتب ابن سلمان، وشوهد أخيراً في احتفالية مؤتمر الاستثمار في الرياض رغم وجود نشرة له على موقع «أف بي أي» للمطلوبين. وعلّق عضو مجلس الشيوخ الأميركي رون وايدن، على خبر استثمار السعودية في موقع التواصل الاجتماعي الشهير، بالقول: «بالنظر إلى تاريخ النظام السعودي في سجن المنتقدين وزرع جاسوس على تويتر، والقتل الوحشي لخاشقجي؛ يجب منع النظام السعودي من الوصول إلى معلومات حساب تويتر، والرسائل المباشرة وغيرها من البيانات، والتي يمكن أن تُستخدم لتحديد المعارضين السياسيين، أو لقمع انتقادات العائلة المالكة». وطالب أعضاء في الكونغرس، بفحص شامل للصفقة السعودية التي يديرها الوليد بن طلال، لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي. حملة القمع السعودية ظهرت نتائجها سريعاً في ابتعاد غالبية النشطاء في الداخل والخارج عن التغريد والمطالبة بالتغيير والدعوة إلى حرية التعبير والديموقراطية، قبل الدعوة إلى حفلات وعروض ترفيهية صاخبة تغطي على أصوات المظلومين في المملكة السلمانية.



احذروا الــ like
حكمت السلطات السعودية على الطبيبة التونسية مهدية المرزوقي بالسجن 15 عاماً بتهمة «الإساءة إلى نظام الحكم» من خلال مواقع التواصل، بسبب وضع علامة إعجاب على تظاهرة مؤيدة لـ «حزب الله» أمام المسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية. وكان مسؤولون سابقون في تويتر قد حذّروا المعارضين السعوديين من استخدام المنصة الإلكترونية، كون ابن سلمان اخترق تويتر قبل سنوات وسرق حسابات المعارضين الذين فضحوا علاقة إيلون ماسك بابن سلمان وحكومته القمعية، خصوصاً مع وجود الوليد بن طلال كثاني أكبر مساهم في المنصة الأميركية.