انتقلت لارا سابا من تجربة درامية أولى في «قصة ثواني» إلى الكوميديا، فـ «ع مفرق طريق» يروي قصة ممثل شاب (شادي حداد) يتنافس مع ممثل إيطالي على أداء دوار البابا. قبل توجّهه إلى روما لمقابلة الأخير، يتجّه شمالاً إلى قنوبين (شمال لبنان) لقضاء بعض الوقت في الطبيعة بعيداً عن ضجة المدينة والحياة المتسارعة. تروي لنا المخرجة أن الفيلم بُني على فكرة الممثل شادي حداد أولاً. ثم كتبت السيناريو جوزفين حبشي، ومن بعدهما أتت سابا في مرحلة معيّنة من كتابة السيناريو: «أعدنا العمل على النص.

كأي مخرج آخر، لديّ رؤيتي الخاصة وعليّ البحث عن الأمور التي تحرّكني في أي سيناريو أعمل عليه. بعدئذٍ بدأت رحلة الإنتاج، علماً أن حداد منتج مشارك معي. قررنا بدء التصوير عام 2019 بعدما توصلنا إلى جمع ميزانية معينة، لم تكن على أي حال ما كنا نطمح إليه. وسرعان ما توقّفنا عن التصوير مع بدء التظاهرات وغليان البلد حتى الربيع. بما أن التصوير جرى في الأرز وقنّوبين، لم يكن ممكناً في أي وقت. كما أنني لا أحبّ سماء الصيف. ومرّة جديدة اضطررنا للتوقف بسبب الوباء وانفجار الرابع من آب ثم انتشار إصابات الكوفيد في فريق العمل. بدأنا بمرحلة المونتاج وربحنا جائزة في «مالمو» في منتصف 2021 تُمنح للأفلام التي هي في مرحلة ما بعد الإنتاج. ثم قررنا إطلاق الفيلم والتقينا ببسّام عيد الذي يعمل مع «صبّاح إخوان» وقررنا أن نعمل معاً على التوزيع. بعد تجربة توزيع «الهيبة» في كل دول العالم، أردنا خوض التجربة نفسها».
تقرّ سابا أن فيلمها ليس فيلم «مهرجانات»، لكن ذلك لم يمنع من اختياره في فئة «روائع عربية» ضمن الدورة الحالية من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» في جدة. تقول: «هو فيلم يتوجّه إلى جمهور واسع، لكنه غير شعبوي. هدفه أن يصل إلى أكبر عدد من الناس. ليس فيلماً للمهرجانات بل جماهيرياً. لذا شكّل اختياره في المهرجان مفاجأة جميلة، خصوصاً أن في الفيلم شخصيات راهبات ورموز دينية مع أنّه ليس بفيلم ديني. لا ننتظر عرضه في المهرجانات، بل نترقّب انطلاقه تجارياً في الدول العربية وأستراليا وأميركا».




في الفيلم، يلتقي الممثل هادي الزين في طريقه إلى قنّوبين، بشابة (ربى زعرور) وأربع راهبات (جوليا قصار، بيتي توتل، ميرنا مكرزل وسينيتا كرم)، يعرضن عليه إصلاح سيارته ويدعونه إلى الدير. تؤدي كل منهنّ دورها بإتقان وبنوع من التوازن بين الجو الكوميدي للفيلم وشخصيتهن الملتزمة. قلّما نجد شخصيات دينية مماثلة في الأفلام اللبنانية، مع أنها جزء من النسيج الاجتماعي كما تقول المخرجة: «هناك خوف من الاحتكاك بأي شيء له علاقة بالدين. في لبنان هناك ما يسمّى باللائق سياسياً، وهو طاغ جداً. تعلّمت في مدرسة راهبات، وكذلك الأمر مع أكثر من 70 في المئة من جيلي. لطالما كانت الراهبات جزءاً من نسيجنا المجتمعي. هنّ اللواتي يستقبلننا في المدارس، وفي المستشفيات. فلمَ لا تكون تلك الراهبات جزءاً من الفيلم ومن الضيعة التي يعود إليها هذا الشاب ومن الأمور التي ستردّه إلى حياة أكثر بساطةً، من دون أن نظهر أي جانب، سواء كان سلبياً أو إيجابياً لديهنّ. نحن نصورّهن على طبيعتهن وحريتهن. بالنسبة إليّ، هن لسنّ راهبات فقط، بل نساء حرّات قبل أي شيء. لسن بحاجة إلى أحد. يصلحن الشاحنة ويغيّرن الإطارات ويقطفن التفاح، ويجدن الحلول للضيعة. ليس فيلماً نسوياً، لكنني أمرّر فيه مبادئي بطريقة سلسلة ومن دون وعظ أو تعقيد. على الرغم من كونه كوميديا رومانسية، إلا أنّ الشريط يتحدّث عن مواضيع أخرى. اليوم لم يعد في الإمكان صناعة فيلم من دون التحدث عن الليبرالية التي تنهش بالناس. وصلنا إلى مكان بدأت فيه الدول التي كانت تعتبر أنها بعيدة عن ذلك، بالشعور بالغلاء والنقص. لا يمكن إلا أن نتساءل عن سبب وصولنا إلى هنا. السمك الكبير يكمل، والآخرون يكافحون في ظلّ النظام الاقتصادي من أجل التمكن من الوصول إلى نهاية الشهر. أدركت الدول الغربية أننا نقضي على الكوكب وعلى الناس وعلى إنسانيتنا. أصبحت الحاجة ملحة للعودة إلى مكان تكون فيه الحياة بطريقة مختلفة. ورغم أن الأحداث تجري في ضيعة لبنانية وهناك بحث عن جمالية لبنان، إلا أنّ القضايا التي يطرحها العمل إنسانية قبل أن تكون لبنانية».
تقرّ لارا سابا أنّ الفيلم ليس فيلم «مهرجانات» لكنه أيضاً غير شعبوي


تشكّل الطبيعة جزءاً أساسياً من العمل الذي يحفل بالمشاهد الخلابة المصورّة في مكان روحاني وجميل. تتحدّث سابا عن علاقتها بلبنان وبالطبيعة: «أشعر أنه لا يمكنني أن أنجز سينما خارج لبنان. أحب هذا البلد بقوة، وتجمعني علاقة قوية مع طبيعته. جلته وحدي في السيارة وقد عملت على مشاريع عدة مثل «سيني كارافان». كنت أقود السيارة وحدي أحياناً وأمسك الكاميرا بيد أخرى. أتوقف في أماكن عدة لأصوّر وأرى. يملك وادي قنوبين والأرز طاقة كبيرةً جميلة وقوية. عندما وصلني السيناريو، كان شرطي الأساسي أن نصوّر هناك. كان متنفساً رائعاً وأشبه بفترة نقاهة وعلاج لكل من عمل على الفيلم وأظنّ أن هذا الجو الإيجابي انعكس عليه». بدا هذا التناغم واضحاً في أداء الممثلين الذي كان كلّ منهم ملائماً لدوره. علماً أن المخرجة استعانت بعدد كبير من الممثلين المعروفين والناجحين. تقول سابا: «كتبت جوزفين حبشي دور الراهبة ماري برنار لبيتي توتل. وكانت لدي صعوبة في البداية لأنني لا أحبّ الكليشيه. لذا حرصنا على عدم الاعتماد على الشخصية التي عُرفت بها توتل على الشاشة، وأظن أنها رفعت التحدي بشكل جميل مع الراهبات الأخريات. الكلّ كان رائعاً. ومنهم من كان يأتي للتصوير ليوم واحد، ويشعرنا بأنّه كان موجوداً طوال مدة التصوير. مثلاً، أعدنا مراراً رؤية مشاهد رفعت طربيه مع الممثلات للمتعة فقط، من دون أن أنسى الآخرين، فكل ممثل أضفى شيئاً على الفيلم بوجوده».
تشرح سابا أنها رغبت في الحفاظ على روحانية المكان وجماله ولو أنّ الموضوع كوميدي: «عملت مع مدير التصوير وقرّرنا عدم الذهاب إلى صورة كثيرة الضوء، والإبقاء على خصوصية المكان. من جهة أخرى، تعامل الممثلون مع أدوارهم بطريقة جدية جداً. فالسيناريو يضعهم في مواقف كوميدية مع كل الأبعاد السيكولوجية والاجتماعية، لكنهم لا يؤدون شخصيات كاريكاتورية. لا يهمنّي إن لم يضحك المُشاهد في الفيلم، بل يكفيني أن يخرج بابتسامة وشعور إيجابي».

* «عَ مفرق طريق»: بدءاً من 15 كانون الأول (ديسمبر) في الصالات اللبنانية