صفحة من تاريخ الفن اللبناني طويت مع رحيل المجدّد روميو لحود (1930 ـــ 2022)، صاحب الأثر الكبير في صياغة جديدة للفولكلور اللبناني وقولبته في إطارات تعرّضت لبعض الانتقادات ثم أصبحت راسخة في المشهد الفني المحلّي. أكثر من أربعين عاماً من الحضور المكثف كان خلالها ملحناً وكاتباً ومخرجاً ومصمّماً ومنتجاً وممثلاً، فاستحقّ لقب «حارس المسرح الغنائي» بتقديمه عشرات الاستعراضات الغنائية البارزة التي جال بعضها على مهرجانات عالمية مرموقة. إنّه أيضاً أحد عباقرة النغم اللبناني بتأليفه وتلحينه أكثر من 250 أغنية لا يزال كثير منها راسخاً في الذاكرة الفنية و«أحد أعمدة بعلبك» التي احتضنته شاباً وقدم فيها أعماله المسرحية الغنائية البارزة.اكتشف حبه للموسيقى على خشبة مسرح «مدرسة القديس يوسف» في عينطورة، ثم نال إجازته في الهندسة المعمارية من فرنسا، والسينوغرافيا وجماليات خشبة المسرح من إيطاليا، ليدعم موهبته الفطرية بدراسة أكاديمية.


خطوته الأثيرة كانت مع زوجة شقيقه الفنانة الراحلة سلوى القطريب التي شكّل معها ثنائياً تاريخياً، فأصبحت معه سيدة من سيدات المسرح الغنائي اللبناني بعروض مثل «بنت الجبل» و«سنكف سنكف» و«الأميرة زمرد»، و«اسمك بقلبي»، و«أوكسيجين»، و«ياسمين»، و«حكاية أمل»، وبأغنيات مثل «خدني معك على درب بعيدة»، «على نبع المي»، و«قالولي العيد بعيوني»، و«شو في خلف البحر»، و«بدي غني»، و«يابو العبا» و«يا استاذ الأبجدية»...
فنانون كثر تميزوا مع ألحان روميو، فمَن ينسى طوني حنا وأغنيتين في رصيده استحالتا من أبرز الأغنيات الشعبية اللبنانية هما «طال السهر وليالي العيد» و«شردلي الغزالة»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سمير يزبك وأغنيتيه «دقي دقي دقي يا ربابة» و«ويلي ويلي من حبن ويلي يا هل الله» اللتين أحدثتا بنجاحهما الكبير من التقدير لموهبة روميو.
كانت خشبته مسرحاً لعدد كبير من أبرز الفنانين اللبنانيين، من سمير يزبك وإيلي شويري وطوني حنا وأنطوان كرباج، مروراً بجوزيف عازار وعصام رجي، وصولاً إلى ملحم بركات... كان مسرح روميو لحود من أكثر المسارح التي احتضنت الأسماء الوازنة في مسيرة الفن اللبناني، وقد لخّص الراحل ملحم بركات تجربته مع روميو بقوله «العمل في مسرح روميو مشبع بالحرية».
اكتشافه البارز كان كذلك مع مجدلا (نزهة مكرزل) التي قدمها في بعلبك عام 1970 بناء على طلب من لجنة المهرجانات بالابتعاد عن تكرار الوجوه ورغبتها في تقديم فنانة جديدة بعد فيروز وصباح. تصدى روميو للمهمة وكانت مجدلا التي سمعها ترتّل في الكنيسة، فقدمها في مسرحية «الفرمان» (1970 ــــ تأليف الشاعرة نادية تويني) بمشاركة الممثلين أنطوان كرباج، جوزيف عازار، سمير يزبك، نبيه ابو الحسن، شوشو، عصام رجّي، فرقة «كركلا». أبرز ما غنت مجدلا وقتها من ألحانه كان «يا أحلى من السفر» و«عالدرب البعيدة».
بعد سلوى القطريب، تبقى مسيرته الأبرز مع صباح. معه أطلت «الشحرورة» مسرحياً للمرة الأولى على خشبته، ومع فرقته الاستعراضية وقفت على مسرح الـ «أولمبيا» في باريس لتكون بذلك أول فنانة عربية تقف على هذا المسرح العريق. ومن ألحانه غنّت عدداً من أبرز أغنياتها مثل «يا مسافر وقف ع الدرب». ومن كلماته غنت «سعيدة ليلتنا سعيدة».


مسيرته المسرحية الفعلية كانت في «الشلال» (1963) التي قدّم فيها تصوراً جديداً لتقديم المسرح الغنائي، فتعرّض لانتقادات واسعة لم تثبط من هزيمته، بل زادته إصراراً على المضي في خطه التجديدي الذي يقول بأنه أثبت بعد فترة صوابيّته، فقدم مع صباح مسرحيات «القلعة»، «فينيقيا 80»، «مين جوز مين»، «الفنون جنون».
الفولكلور اللبناني كان هاجسه الدائم. منه استوحى أسماء مسرحياته مثل «موال» (1965) الذي كان أول البرامج الفولكلورية اللبنانية بحسب الإعلان الذي رافق العرض، ثم قدم استعراضات «ميجانا» (1966)، و«عتابا» (1967) وهي المسرحيات الثلاث التي قدمها على مسرحه الخاص «فينيسيا» الذي اضطر إلى تركه عام 1969 بعد إعلان إفلاسه.
الإفلاس المالي في بداياته ربما كان بسبب رغبته الدائمة ألا يكون «تاجر أغنيات»، فهو لم يعتمد يوماً على الفن كمصدر للرزق، بل كان يحقق فيه شغفه وطموحه بصنع أغنيات حاضرة في البال دوماً مع تعاقب الأجيال، هو الذي كان يردد دوماً: «أنا صرفت مصرياتي على الفن وكنت ادفع من جيبتي لتمويل أعمالي».
شكّل مع زوجة شقيقه الفنانة الراحلة سلوى القطريب ثنائياً تاريخياً


ربما لا يعرف كثيرون أنّ لروميو لحود تجربة في الإخراج السينمائي مع فيلم «ملكة الحب» (1973 ـ بطولة حسين فهمي وعادل ادهم وناهد يسري وعصام رجي)، إلا أنّ الفيلم لم ينجح تجارياً أو نقدياً ربما بسبب خلطته الغرائبية عن محاولة عدد من العلماء الاقتراب إلى قارة «أتلانتس» قبل فنائها في محاولة لإنقاذ ملكتهم.
تبقى مسرحيته «بنت الجبل» عمله الأكثر قرباً إلى قلبه، وربما من هذا المنطلق، أعاد إحياء المسرحية عام 2015 على «مسرح الفنون» (أوتوستراد جونيه) بعد 27 عاماً على عرضها الأول، فحلّت ألين لحود مكان والدتها سلوى بدور ليزا. كان العرض آخر أعمال روميو بعد اعتكاف طويل عن الساحة واعتراضه على هيمنة شركات إنتاجية آتية من وراء الصحراء لتفرض ذوقها وتسهم في انحدار الفن والأغنية. هكذا، انسحب من المشهد بعدما نال العديد من التكريمات مثل وسام الأرز الوطني برتبة ضابط، وكرّمته لجنة «مهرجانات بعلبك» عام 2017 من خلال حفلة استعادية لأعماله بأصوات فنانين شباب...

* تقبل التعازي اليوم الخميس من الساعة الحادية عشرة حتى السادسة مساءً في دار رعية «كنيسة السيدة» (عمشيت)، ويوم الجمعة من الساعة الحادية عشرة حتى السادسة مساءً في صالون «كنيسة سيدة العطايا» (الأشرفية)