قارب لحود المسألة الوطنية كخيار أول حرص أن تتسم به كل مسرحياته على امتداد ستين عاماً من نشاطه الفني الذي شمل مروحة اهتمامات وتفاصيل اجتماعية تدخل في صلب الحياة اللبنانية، نتيجة وعيه الدائم والمواكب لتغير العالم من حولنا وتوظيف كل ذلك كمفهوم تنويري للمجتمع برؤية وطنية سليمة، مبتعداً عن الأهواء والنزعات الطائفية والمذهبية أو المصلحية الضيقة كإدانة مباشرة لها. هذا ما جعل المسرح وسيلةً عامةً من أجل كل ذلك، لا غاية شخصية عابرة، وبرؤية واعية لطبيعة المراحل المأزومة التي لطالما مر بها الوطن الصغير، ليرصد دوافع الجمهور وذوقه ومسوغات تعطشه إلى إعادة إنتاج تاريخه الحديث بمنجز مديني جمالي فيه من الجِدَّة والجدِّية ما يفتح له الباب أن يكتب مناخه الثقافي كمعظم الشعوب المحيطة القريبة والبعيدة.
بهذا المعنى، لا يخفى على عاقل أن مسرح لحود آثر النصّ الذي يكرّس صيغة التمرد ومفهوم التنكّر لواقع حالة الانقسام الداخلي التي هي طائفية غالباً وبقوة الواقع الديموغرافي بمعظمها، في منظومة فرجوية، لا نبالغ إذا قلنا إنّها ـــ منذ دولة لبنان الكبير حتى اليوم ـــــ نوعية الخطاب والرؤية، بالمعنى العميق الذي يغوص في تفسير كيفية اكتساب الهوية الوطنية الحقّة، بعيداً عن أيديولوجيات المحاور المناطقية أو الطائفية وحتى الإقليمية. وهو ما ظهرت نتائجه في نجاح هذا المسرح بشكل كبير الذي من الأهمية بمكان أن نبسط بعض منجزاته توكيداً لوعينا النقدي بعمق هذه الطاقة الإبداعية التي أسست لهذا الفن رغم إغفال بعض المراجع المسرحية لنشاطه الفذّ في خطوة غير مفهومة حتى اليوم.
رؤية واعية لطبيعة المراحل المأزومة التي لطالما مرّ بها الوطن الصغير
إذ بدا واضحاً المواكبة المتأخرة والمبتورة للنقد المسرحي المحلي عن تأويل وتقييم تجربة هذا الرجل في المصنفات الأكاديمية أو البحثية خلال سنوات طويلة ماضية. ما عرضه لحود للخشبة: «مين جوز مين» (1972)، «سنكف سنكف» (1975)، «الأميرة زمرد» (1978)، «اسمك بقلبي» (1978)، «أوكسيجين» (1979)، «ياسمين» (1980)، عطفاً على أكثر من مسرحية أخرجها برؤية واقعية ومقنعة ومنها: «موال» (1965)، «ميجانا» (1966)، «عتابا» (1967)، «بنت الجبل» (1977)، «كاريكاتور» (2016) وغيرها حيث اندمج لحود بالاستعراض الغنائي حتى النخاع، من دون أن يمنعه ذلك من استثمار فخامة الشكل الجمالي الفولكلوري وضخامة الإنتاج في تظهير الهوية التراثية لمسرحه وإسقاطها على نقد ومعالجة القضايا الاجتماعية والتاريخية. مزيج خلّاق يفسر ريادته غير المسبوقة في هذا الحيّز إلا في بعض تفاصيل ما جاءت به تجربة الرحبانيَّين عاصي ومنصور، وهو ما ينفي التهمة التي ابتدعها مسرحيون مجايلون للحود هنا وهناك، بأنه لم يطور تجربته في العمق، فكرياً وإنسانياً، وأنه اهتم بالزخرف والديكورات والأضواء وإمكانات السينوغرافيا على حساب الموضوع والكلمة. وهذه في الواقع ليست تهمة بقدر ما هي مُساجَلَة لفظية تندرج في سياقات التشويش على منجز يشرّع لكل صانع مسرح أن يسلك سبيله إذا ما كانت الإمكانات متوافرة.