توجّه فرح الهاشم تحية إلى السينمائي الراحل برهان علوية (1941 ـــ 2021) في فيلمها الوثائقي الجديد «برهان بيروت» الذي تعرضه يوم الأربعاء في «مترو المدينة». انطلاقاً من بحث أكاديمي عن أعمال علوية، أجرت الهاشم سلسلة من المقابلات لإنجاز شريطها الذي يعود إلى بدايات المخرج الذي شارك مع أسماء أخرى في تأسيس «السينما اللبنانية الحديثة» في سبعينيات القرن الماضي، عشية الحرب الأهليّة. يتمحور الشريط حول مسيرة علوية ويحاور بعضاً من أصدقائه والنقاد الذين تابعوا أعماله، إضافة إلى شخصيات أفلامه من «بيروت اللقاء» و«رسالة من زمن المنفى» و«رسالة من زمن الحرب». وبحسب وصف البيان الصحافي للعمل، فهو فيلم ممزوج بالذكريات يشبه كبسولة سفر عبر الزمن يأخذنا من جنوب لبنان عام 82 إلى شارع الحمرا عام 85 وكفر قاسم عام 59 وباريس الألفية.
بدأت الهاشم إخراج الأفلام عندما كانت في الـ22 من العمر، أثناء إعدادها «الماسترز» في نيويورك. كان فيلمها القصير الأول «7 ساعات». تعتبر أن هذا هو العمل الأول الذي أطلقها كسينمائية. في اتصال معها، عادت إلى أعمالها السابقة وإلى كل ما قادها إلى فيلمها الجديد هذا: «في عام 2014 قدّمت «ترويقة في بيروت»، روائي طويل ما زلت أحصد نجاحه إلى اليوم. هو فيلم بسيط بأفكاره يتحدث عن علاقة اللبنانيين بوطنهم، سواء كانوا يعيشون داخله أو خارجه. بعده، أنجزت فيلماً بالأبيض والأسود هو «قصة مش مكتوبة» عام 2018 عن المرأة والحب ثم أتى «اليوم الخامس»، وهو وثائقي عن السينمائيين جان أوستاش وشانتال أكرمان. وثائقي يحكي عن العمل الفني الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب أو الانتحار. كل فيلم كانت له رحلته إلى أن وصلت إلى «برهان بيروت» العام الماضي وأطلقته في شهر آب (أغسطس)».
تخبرنا الهاشم أن نقطة انطلاقها في المشروع هي في الأصل حبّها لمشاهدة الأفلام، وخصوصاً أفلام علوية ومارون بغدادي وجوسلين صعب ككل متابع للسينما في بيروت. لطالما فكّرت في أنه على أحد أن ينجز شيئاً عنه قبل وفاة المخرج في أيلول (سبتمبر) العام الماضي. خلال إعدادها لرسالة الدكتوراه في فرنسا عن السينما اللبنانية وتحديداً عن أفلام برهان علوية، أجرت معه مقابلة عام 2018: «اقترحت على إدارة الجامعة أن أنجز أيضاً فيلماً عنه إلى جانب الرسالة المكتوبة. شعرت أن السينما هي اللغة الوحيدة التي يمكنها أن تعبّر عنه وعن أفلامه بشكل دقيق. فهو كان مفكراً وفيلسوفاً عظيماً. بعد مرور شهر على وفاته، بدأت كتابة النص. أخذت الدعم من الجامعة وكتبت النص وبدأت التصوير في كانون الأول (ديسمبر) 2021 وصوّرت مشاهد متقطعة لنحو سنة، ثم عملت على المونتاج لأربعة أشهر».
تجمع الهاشم في فيلمها الذي يتأرجح بين الوثائقي والروائي عدداً كبيراً من الأشخاص المقرّبين من علوية بطريقة أو بأخرى، من نقاد لبنانيين وسينمائيين ومشاركين في أعماله. في هذا الصدد تقول: «بحثت عن الأشخاص الذين تعاملوا مع برهان بشكل مباشر في أفلامه وبالعمل والحياة والذين عاشروه على هذا الأساس، ومن كتبوا عن أفلامه على غرار نديم جرجورة وهوفيك حبشيان وأحمد قعبور وهادي زكاك وغيرهم. كان بالإمكان ضم أشخاص أكثر إلى الفيلم ولكن بعضهم توفي أو كان منشغلاً وقتها ومنهم من رفض لأسباب خاصة. كل شخص في الفيلم كان جزءاً من حياته لذا اخترتهم ليكونوا في الفيلم».
إنجاز فيلم عن برهان علوية ليس بالمشروع السهل نظراً إلى مسيرته السينمائية الغنية. تقول الهاشم: «في هذا الوثائقي، أعود إلى أفلامه القديمة مثل «بيروت اللقاء» وقصة الحب بين حيدر وزينة. ذهبت للبحث عن حيدر ليكون في الفيلم، لكني لم أجد زينة. هناك الكثير من الأمور الجميلة التي أعادتني إلى بيروت الثمانينيات. لم أستطع رفضها. الفيلم مدته 117 دقيقة ولم أتمكن من أن أقتطع شيئاً منه».
في المقابل، لن نرى في الفيلم شيئاً عن حياة علوية الشخصية كما تقول الهاشم، مضيفة: «ركّزت على أعماله وحياته المهنية. لن ترى في الفيلم شيئاً عن منزله مثلاً لأنني احترمت خصوصية عائلته. ولكن بعد صدور الفيلم، حصلت على دعم قوي جداً من أرملة برهان علوية وابنه وأنا على تواصل معهما لتنظيم عروض في بروكسل أو باريس. ترددت في الغوص في الشخصي وأردت أن أركز عليه كسينمائي لأنني هكذا أراه. ولكن هذا لا يمنع أن أنجز عنه حلقات على يوتيوب، أين كان يجلس في بروكسل وما الصعوبات التي واجهها والحياة التي كان يعيشها».

* «برهان بيروت»: س: 20:00 مساء بعد غدٍ الأربعاء ـــ «مترو المدينة» (الحمرا) ــ للاستعلام: 76/309363