يقدّم «ليبان جاز» و«الفتريادس» لمحبي الجاز حفلة لعازف البيانو تيغران هاماسيان (1987) في «ميوزكهول» (الواجهة البحرية) عند التاسعة من مساء الغد. هي الزيارة الثالثة للفنان الأرمني إلى بيروت، الذي يأتي هذه المرّة مع مؤلفات جديدة تضمنها ألبومه الأخير Shadow Theatre (2013).
قبل أن تتجه مسيرته الموسيقية نحو الجاز، تلقى تيغران هاماسيان أصول العزف الكلاسيكي على البيانو، وهذا ما يجعله متمكناً من تقنيته. استمع كثيراً إلى مؤلفين أمثال سيرغي بروكوفييف (1891 _ 1953) ورافيل (1875_ 1937) وشوستاكوفيتش (1906_1975)، وتطرق إلى ربرتوار موزار وبيتهوفن وباخ. فهم هذه الموسيقى وتحليلها ساعداه في البدء جدياً في التأليف والعمل على تطوير أسلوب خاص فيه، خصوصاً أنه يرفض السير على طريق آمن. يحطّم القيود التي قد تفرضها الموسيقى الكلاسيكية من أجل العمل على تطوير أسلوب مختلف وجديد، واستكشاف الإمكانات التي تعرضها ملامس البيانو من ناحية الصوت.
في السابعة من عمره، اكتشف هاماسيان عالم الجاز، فكانت تلك أشبه بصدمة موسيقية له. راح يرتجل ألحاناً سمعها على البيانو. في الشريط الترويجي الخاص بفيلم وثائقي أنجزه أردريان ريفولييه عن الفنان (يصدر قريباً) نرى تيغران الصغير يعزف أول «أكوراته» على البيانو تحت أنظار والدته، مندفعاً للتعبير عبر الموسيقى. وفي أولى خطواته هذه في المجال، تتجلى الثقة والميل إلى الابتكار.
دراسته في «جامعة جنوب كاليفورنيا» (لوس أنجلوس) دفعته إلى التعمّق في أصول الجاز المعاصر إلى جانب استكشافه الموسيقى الأرمنية. أما فوزه بالجائزة الأولى في مسابقة «تيلونيوس مونك» (2006) فأثبت خطاه في مجال موسيقى الجاز. خصوصاً أن المشرف على المسابقة الموسيقي الأميركي هيربي هانكوك (1940) أبدى إعجاباً بموهبة الفنان. عام 2011، تعرّف محبو الجاز إلى هاماسيان بعدما أطلق ألبوم A Fable (2011)، الذي اعتمد فيه على الموسيقى الفولكلورية الأرمنية.

يستوحي أعماله من الحياة اليومية، والسينما أيضاً

عناصر عدّة تكوّن موسيقى العازف الشاب. بدءاً بثقافة الروك التي لطالما أكّد ميله إليها، وإلى كبار فرقها أمثال «بيتلز» و«ليد زيبلن» وغيرها. أضِف إلى ذلك تشبعه بالموسيقى الجازية وتأثره بمايلز دايفس وهيربي هانكوك. من جهة ثالثة، لا بدّ لجذور هاماسيان الأرمنية من أن تظهر أيضاً في ألحانه. فهو يستكشف باستمرار التراث الأرمني والفولكور الشعبي، الآتي بألحان تذكر بهويته، حيث يلجأ غالباً إلى أجناس هذه الموسيقى وسلالمها. كل هذه التأثيرات أعطت موسيقى تيغران طابعها.
من هنا تتمثّل جرأة هاماسيان في انفتاحه على الميتال والروك وإدخال عناصرهما الى الجاز. وقد مكّنه تمرّسه على علم الهارموني من فهم المنطق الموسيقي، وجنّبه تقديم موسيقى تجريبية تفتقد إلى الأسس الموسيقية الصحيحة، وإن كان قد اعتمد طريق الحرية في مؤلّفاته. وفيما يستوحي أعماله من الحياة اليومية، ومن الفن عموماً، تشكّل السينما مصدر إلهام كبير له خصوصاً أفلام أندريه تاركوفسكي وميكلانجلو أنطونيوني وغيرهما من السينمائيين الكبار الذين قدّموا أفلاماً انتقائية وفنية.
قال هاماسيان مرّة إنه لا يأبه للأداء في أماكن تتسع لأعداد كبيرة من الناس، فحميمية المكان الذي يقدّم حفلاته فيه تتحوّل في كثير من الأحيان إلى مصدر طاقة كبيرة بالنسبة إليه. إذن، يعود إلى لبنان مجدداً لتقديم ألبومه الجديد Shadow Theatre هذه المرّة، مع فرقته الثلاثية التي تضمّ إلى جانبه آرثور هناتيك (درامز) وسام ميناي (دابل باص). يعتمد الإصدار الجديد على ارتجالات جاز بشكل أساسي، مطعمة كالعادة بالموسيقى الفولكلورية الأرمنية. ورغم سيره على نهج واحد في ما يتعلق بالنمط الذي اختاره في موسيقاه، يصرّ هاماسيان على اكتشاف ألوان صوتية متجددة، فيدعو المستمع الى الغوص في رحلة موسيقية خاصة بعالمه، خصوصاً حين تدخل في العمل أيضاً بعض اللمسات الإلكترونية، فبذلك سنكون أمام ابتكار نوع من الـ«بانك» الأرمني التجريبي.



«تيغران»: 21:00 مساء الغد _ «ميوزكهول» (الواجهة البحرية _ بيروت). للاستعلام: 03/807555