الدقائق الافتتاحية من «النمر الأسود: واكندا للأبد» مروّعة، ليس فقط بسبب الطريقة المباشرة وغير الغامضة التي يتعامل بها الفيلم مع موت تشالا (تشادويك بوسمان 1976 – 2020)، بل أيضاً بسبب كيفية تأثير الحدث المأساوي على بقية الشخصيات وعلينا نحن. كان واضحاً أنّ غياب تشالا سيكون محور الفيلم، واتضح هذا من المقدمة المثيرة، وهي أحد أكثر مشاهد أفلام «مارفل» دراماتيكية حتى الآن. يستمر تأثير هذا الموت طوال الفيلم، الذي يولي اهتماماً خاصاً بتلك الشخصيات التي عانت أكثر من غيرها بسبب خسارة النمر الأسود. في فيلم المخرج ريان كوغلر، يعتبر الاختفاء الجسدي للملك، حدثاً يهز أسس الحياة في المملكة الخيالية. في الوقت نفسه، يترك أثراً عميقاً على كل فرد من عائلته، إلى درجة أن وتيرة ونبرة الفيلم مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً بتتابعات الافتتاحية المؤلمة. لا أحد ينجو من زوال تشالا، وفي الوقت نفسه، يأتي الفيلم أكثر بكثير من مجرد انعكاس للخسارة. إنه أيضاً نظرة على مفهوم الألم بحد ذاته. «النمر الأسود: واكندا للأبد» هو أول فيلم من عوالم «مارفل» يكشف حقيقة موت شخصية من دون اللجوء إلى الخيال. كما أنه يفسّر بحساسية مدهشة أنّ موته حقيقة طبيعية. هذا كان أفضل تقدير يمكن تقديمه إلى تشادويك بوسمان وقبول خسارته بشكل واقعي من خلال الشاشة. وهذا ما منح أول انتصار روائي رئيسي للفيلم. الأخير هو تكريم لوفاة بوسمان بمهارة مدهشة، وأيضاً نظرة سياسية وثقافية على عالم جديد بعد وفاة الملك.
ريان كوغلر أولى أهمية كبرى لتطوير الشخصيّات


في واكاندا، التقليد هو حرق الملابس لوداع المتوفي. هذه هي الخطوة الأولى التي يجب اتباعها لقبول رحيله. أما بالنسبة إلى شوري (ليتيتيا رايت)، فلا يزال هذا العبور غير وارد ويشمل ألماً عقلياً وروحياً حتى بعد مرور عام على وفاة تشالا، الذي قضى بمرض لم يذكر اسمه. شوري لم تستطع محاربة ما لا مفر منه. موت شقيقها يثقل كاهليها ويحوّل المراهقة إلى امرأة عليها أن تكبر بسرعة. الشيء نفسه ينطبق على روماندا (أنجيلا باسيت) الملكة الأم الوحيدة. شيئاً فشيئاً يكشف «النمر الأسود: واكندا للأبد» أنّ موت تشالا ليس مجرد مصيبة عائلية، إنها حقيقة ذات طبيعة شاملة دمّرت شخصية أولئك الذين نجوا منها. والأكثر من ذلك أنّها تركت واكندا منطقة هشّة، ثرواتها محاصرة اليوم. تحاول شوري توليف النبات المقدس الذي أُحرق في الفيلم الأول («النمر الأسود» 2018) الذي يعطي أيضاً النمر الأسود قوته وصلاحياته. بعد وفاة الحاكم الشاب، ارتدت شوري ملابس حداد بيضاء، وتولت راموندا العرش الشاغر، ودخلت العائلة المالكة في صراع مع الأعداء بعد هجمات متكررة على احتياطات الفيبرانيوم التي لا تقدر بثمن، ولا تزال واكندا ترفض بيعها للدول الأخرى. للحفاظ على الفيبرانيوم، يجب على شوري وناكيا (لوبيتا نيوتغو) مواجهة التهديد الجديد لضمان سلامة الدولة الأفريقيّة التي تُركت بدون مدافع.


مع هذا الفيلم، تنتهي المرحلة الرابعة من عوالم «مارفل» السينمائية، ومعها، بلغت أفلام «مارفل» أخيراً التوازن المطلوب بين القوة الخارقة والشخصيات الخيالية والقتال والحروب وبين الإنسان والدراما والموت والحداد. لتوضيح الأمر، فإن «النمر الأسود: واكندا للأبد» ذو محورين رئيسيين: الأول نرى كيف تتعامل واكندا مع الموت، والثاني القصة الحتمية للتهديد الكبير الذي يتعين على الأبطال مواجهته. وكوغلر تمكّن من ربطهما بطريقة مُرضية للغاية، ومنح الفيلم عمقاً درامياً، حتى في موضوع مبتذل مثل الانتقام. تحرك الفيلم بسهولة أكثر بكثير من المعتاد وبطريقة غير متوقعة. عرف المخرج كيفية توجيه غياب تشالا وفقاً للاحتياجات السردية، حتى إنّه في المشهد المعتاد بعد تتر النهاية، أعطى بذور هذا التوازن فرصة أن تنمو لاحقاً (بالإضافة إلى مفاجأة كبيرة). كل شيء في الفيلم تضاعف أهميته بالحزن وأصبح أكثر خطورةً. المواضيع التي تكلم عنها الفيلم الأول وكونت سمعة «الفهد الأسود» على أنه فيلم «مارفل» للكبار، تظهر هنا مرة أخرى في حزمة أكثر كثافة من الجدية الجيوسياسية مثل الاستعمار والثورة والحرب. تمكن الفيلم من إيجاد إيقاع رشيق وجيد البناء، سواء في التكلم عن الثقافات والأعراق وكذلك في تصوير الخير والشر. اهتم كوغلر بتطوير شخصياته أكثر من سناريوهات الحرب والقتال التي تعودنا عليها في أفلام «مارفل»، وتوحيد المملكة والمستقبل له وزن أكبر من مجرد عنف على الشاشة.
«النمر الأسود: واكندا للأبد» أحد أفضل أفلام «مارفل»، وسبب ذلك من بين أمور أخرى هو أنّ صنّاع الفيلم عرفوا كيف يكبحوا جماح روح الدعابة ونكات «مارفل» بشكل كبير، وقد أصبحت الآن مملّة ومتكررة إلى حد ما. وأيضاً، لا أبيض وأسود، أو شرير وبطل في الفيلم، فالأمور هنا أكثر تعقيداً. نجح المخرج في كسب انتباهنا واهتمامنا لمدة ساعتين ونصف الساعة. «النمر الأسود: واكندا للأبد»، أكثر جمالاً وإثارة من الكثير من أعمال «مارفل»، وقد جلب روحاً وتوازناً جديداً لهذا العالم المكتظ. الآن في فيلمها الثلاثين، أصبح كل شيء واضحاً ومهماً أكثر، تماماً كوضوح الحزن على الموت باللون الأبيض.

Black Panther: Wakanda Forever
في الصالات