الجنازة حامية والميّت «باب الحارة» الذي كرّس نمطاً رجعياً من الدراما. هكذا، يمكن أن يكون التقييم النقدي لأي مشكلة تلاحق السلسلة الشامية الشهيرة. لكنّ للمنتجين رأياً آخر يُختصر بأنّ العمل بمثابة «دجاجة تبيض ذهباً» لهؤلاء. مجرد ارتباط أي اسم بها، يعني أنه سير محتوم على درب الشهرة والنجومية والمكاسب. ثم بنظرة واقعية أو جردة درامية دقيقة على السنوات الماضية، يبدو جلياً بأن السلسلة الشامية ــ رغم مآخذنا الكبيرة عليها ــ مثّلت الخرق الوحيد لحصار خليجي أطبق في زمن معيّن على الدراما السورية. انطلاقاً من كل تلك المغريات، استفاق المنتج السوري محمد قبنّض على أكثر الأعمال مشاهدة في تاريخ الدراما التلفزيونية، وقرر إنتاج أجزاء جديدة منها بذريعة شراء النص من مروان قاووق الذي أسهم في كتابة أجزاء سابقة من المسلسل. كأنه يحق لكاتب المسلسل ببيع نصّه مرّتين لجهتين إنتاجيتين في الوقت ذاته! وبالفعل، بدأ قبنّض بتوزيع أدوار لممثلين من الدرجة الثانية للعب بطولة واحد من ثلاثة أجزاء متلاحقة، يعتقد أنه سينتجها من المسلسل الشامي بعدما رفع دعوى قضائية على مروان قاووق كي يتنازل بموجبها عن حقوق تأليف المسلسل. خطوة تمويهية ساعدت في تسريب خبر كاذب للصحافة السورية المحلية يقول حرفياً بأنّه «صدر أخيراً القرار القطعي في حسم الخلاف الدائر بين المخرج بسام الملا وشركة «قبنض» من المحكمة المدنية في دمشق بمنح شركة «قبنض» الحقّ في إنتاج مسلسل «باب الحارة» في جزئه الجديد وأجزائه التالية من بعده حسب رغبتها. القرار صدر عن محكمة البداية المدنيّة 17 في دمشق برقم 151222 /311 بتاريخ 22/9/2015 م». ولدى سؤالنا المنتج محمد قبنّض عن سبب سطوه على هذا العمل، كان الجواب مربكاً ومختصراً «لنعيد الأصالة له». وكيف تعاد الأصالة لعمل يقدم قصة متخيلة وافتراضية عن دمشق، ثم ألا يفترض أن يملك حقوق إنتاج المسلسل أولاً حتى يعيد له الأصالة؟!
اتفاق مع المحطات الفضائية لعرض جزءين جديدين

كل ما سبق أجبر المخرج بسام الملا على الخروج عن صمته وتوضيح ملابسات القصة وشرح بنودها رغم جفائه الأزلي مع الإعلام. في حديث خاص مع «الأخبار»، يقول «الآغا» (كما يلقبه الوسط الفني): «زمن القراصنة ولّى. لكن نتيجة الفوضى العارمة التي نعيشها كتبعات للحرب، دخلنا زمن قراصنة جدد يجرّبون الدخول من ميدان الدراما، وهو ما يحصل معنا في «باب الحارة» والموضوع بالنسبة إلي ليس مسألة ربح أو خسارة مادية أو معنوية، بقدر ما هو موضوع كرامة وحد أدنى من الاحترام لحقوق الملكية. فهل يعقل أن يدخل لص إلى بيتك ويجرّب سرقة أحد مقتنياتك على سبيل المثال وتتركه وشأنه؟». يسأل مخرج «العبابيد» قبل أن يروي لنا باختصار شديد قصة الملكية في «باب الحارة» منذ بداياته، فيقول بأنّ صديقه النجم الراحل ناجي جبر اقترح عليه نصاً لمروان قاووق بعنوان «عودة سعاد». يومها، رفضه بسبب تهالك مستواه، لكن بعد إلحاح من «أبو عنتر» وافقت شرط «أن أعيد كتابة المسلسل من جديد. هكذا، أسميته «باب الحارة» وقد أعاد كمال مرّة كتابته حينها، وكان المسلسل من إنتاج شركة «عاج» (هاني العشّي). لاحقاً، تعاونت مع قاووق في جزءين، وفي مرحلة لاحقة طلبت منه الكتابة، فأرسل لي حلقتين في غاية السوء، فما كان مني إلا أن دفعت له حقوقه المادية كاملة مع مكافأة كبيرة، وجعلته يوقّع تنازلاً عن كامل العمل في جميع أجزائه اللاحقة. كذلك اشتريت الحقوق كاملة من شركة «عاج» وسجّلت العمل باسم شركتي «ميسلون» مع حماية للاسم كملكية فنيّة». هنا، يحيلنا على «القسم القانوني» في الشركة لتزويدنا بصور عن الوثائق التي تثبت كلامه بما فيها قرار التنازل من «عاج» وصورة عن الشيك المدفوع لقاووق، وتنازله الصريح الموثق في المحكمة عن جميع الأجزاء اللاحقة للمسلسل، وتسجيل المسلسل باسم شركة «ميسلون» وأخيراً بيان من المحكمة المدنية في دمشق يوضح بأن القضاء لم يحسم الخلاف في هذا الموضوع، وأن الدعوى مرفوعة من قبل الملا ضد قبنّض لا العكس، وقد حددت جلستها المقبلة في 14/2/2016 (الوثائق منشورة على موقعنا). يضيف مخرج «ليالي الصالحية» بأنّ قبنّض لم يرفع دعوى ضده، بل ما حصل هو العكس: «نحن من رفع دعوى ضده وضد قاووق، ولم يحسم الخلاف بعد والحق واضح وضوح الشمس لا يمكن لاصبع عابرة أن تحجبه».
من جانب آخر، يكشف «الآغا» بمنتهى الثقة بأنه رغم أنه في طور التحضيرات وكتابة النص، ورغم ما يحصل من معمعة، إلا أنّ الاتفاق الثالث مع المحطات الفضائية لعرض الجزءين المقبلين صار جاهزاً والاتفاق مع نجوم العمل المعروفين يسير على قدم وساق. لكن ماذا عن المستوى الإخراجي المتدني والأخطاء التي تحوّلت طرائف على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزءين السابقين؟ يرد: «لم تكن بهذا القدر الذي صوِّرت فيه. على العموم، سيتولى مخرج آخر لم نحدد اسمه بعد دفة القيادة وتحت إشرافي، علماً أن السنتين الماضيتين منعني المرض من متابعة عملي بالشكل المطلوب».