
يميل غابريال يمّين إلى البساطة في التعبير والطرح. لا يحبّ أن يطرح شيئاً من خلال المسرح، لا القضايا السياسية ولا الاجتماعية، إذ يعتبرها توجيهاً مباشراً: «عندما أوجّه شيئاً، أفقد الحرية في المسرح. الإحساس لدى أي فنان، كفيل بأن يحرك الكثير لديه، وحتماً سيعرض قضية من دون أن يكون قاصداً». يطرح يمّين نظرياته، بكل بساطة مترافقة مع سجع كلامي، ولعب على الحروف. يطرح نظريات كبيرة حول الفن، والعلاقة مع الجمهور، ضمن مفردات، بسيطة، مستقاة من الحياة اليومية. يذهب في عمله، إلى صوغ علاقة جديدة بين المسرح والمتلقي، بعدما فقد المسرح كثيراً من جمهوره. البساطة هي شغله الشاغل. لا يخفي عتبه على «رجال» المسرح. فهم، بنظره، أكثر من ألحقوا ضرراً به. يقول بنوستالجيا عالية، وحساسية مرهفة، «إنه في ستينيات القرن الماضي، العصر الذهبي للمسرح اللبناني مع أنطوان ولطيفة ملتقى، ومنير أبو دبس، وغيرهم، كان المسرح للجميع، والكل كان يذهب إلى راشانا، ليشاهد المسرح. اليوم، نكافح لكي يأتينا 200 متفرج، إلى «مسرح المدينة». لا أريد النخبويين، ولا المستثقفين، ولا المتضعضعين... أريد الموجوعين، والحساسين كي يأتوا ويرووا ذواتهم على المسرح».
لماذا يعمل غابريال يمّين في المسرح اليوم؟ ما الذي يدفعه لتحمّل هذه المشقة والتعب والوقت والجهد؟ «أعمل في المسرح، لأنه حياتي. إبّان الحرب العالمية الثانية، رغم المجاعة، والأمراض، والموت، لم يتوقّف المسرح. أنا بحاجة إلى عملي في المسرح والناس بحاجة إليه». يضيف مازحاً: «قد يفضل بعض الناس، الذهاب وفق خياراتهم، لذا قد يذهبون إلى السوبرماركت لأن حاجتهم هناك».
لغابريال علاقة خاصة مع طلابه. يتهكم، يضحك، يصرخ، يعلّق، ويعطي توجيهاته، وحتى أوامره، في بعض الأحيان. لا يشاركونه إلّا الحب والإحساس. يمضي في «رحيل» مع ثلاث وعشرين، طالبةً وطالباً من الفرع الثاني في معهد الفنون الجميلة.
كوميديا سوداء تتقاطع فيها الكآبة والقسوة والحنان
يمضي بهم حيث الاستكشاف، والمرح، والمتعة. لا يعلّق على تأخّرهم على البروفات. لهذا الرجل علاقة مع المسرح، يحكمها الإحساس. يقول لأحد طلّابه أثناء البروفات «لقاط الإحساس وما بدي منك شي». «ينشّ» سقف القاعة، بماء الأمطار، على الأرضية الخشبية. لا يكترث لذلك، يشغل الموسيقى الجنائزية، التي اختارها لمسرحية «رحيل»، ويمشي خطوات، وفق Mise en scène في خياله، يجسّد مسير الموكب الجنائزي لوداع «هنية»، إحدى الشخصيات التي رحلت عن الدنيا، في العرض. البلد يحكمه الرحيل، صوب أين؟ بلاد أخرى، أو حياة أخرى. محكومون بالرحيل، كلّنا. وبالوجع أيضاً. هكذا تدل علامات وأحاسيس الطلاب في قاعة التدريب. انطلاقاً من عفويته في مقاربة الأمور، والمفاهيم المجردة، التي يرميها بدون أي تكلّف، يقول: «أنا أقوم بمسرحية أحس فيها، بوجع الناس، والممثلين، والكاركتيرات». يأتي الإحساس، بالنسبة لديه مرافقاً للفكر، ضمن ثنائية، مكتملة، وغير منفصلة، في عمله.
يشاهد، في الوقت الراهن، مسرحيات بقدر ما يستطيع. «أنا ممنون من كل العاملات والعاملين، في المسرح، على العمل في هذا المجال». يبدو راضياً عن مسرحيات كثيرة، تعرض أو عرضت أخيراً، أو يكون متذمراً أحياناً أخرى، ويعتبر بعض الأعمال الراهنة «قصاصاً»، أو «عقاباً» للمشاهد. أما بالنسبة إلى أعماله، فلا يفضل واحدة على الأخرى، لا يفكر بالأساس في الأعمال التي قدمها. يقول: «أفكر باللحظات التي شعرت فيها، على المسرح» كونها لحظات خالدة بالنسبة إليه.
* «رحيل»: س: 20:30 بدءاً من 14 حتى 20 تشرين الثاني (نوفمبر) ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا، بيروت). للاستعلام: 01/753010