ليس العنوان «بائع النسيان» ادعاء مهارة في المجازات، وليس إشارة إلى ما وراء عبارة قالها إدوارد سعيد لمحمود درويش «إذا مت أوصيك بالمستحيل». وكأنه يقول له: لا تنسَ... أَعِدْ لي فلسطين، فكرةً وأرضاً ومعنى.كما انه ليس دعوة إلى النسيان ببيع الذاكرة ...
أنا لا أكتب سيرة زمني، فهذه تحتاج إلى فصاحة آلامنا جميعاً، أطفالاً ويافعين، أحياء وموتى، ولا أكتب لأدين زمني، إنني أشير عبر حياةٍ مأهولةٍ بالحروب وبالرزايا، أشير إلى النقصان بوصفه أحد أمراض المسعى الإنساني إلى الكمال.
أنا، افتراضاً، بائع نسيان متجوّل. ليس لي ماضٍ فادح لأندم عليه، وليس لي حاضرٌ أتنعّم فيه، وليس لدي يقين الباعة المتجولين، بأن بضاعة النسيان تملك جياد مستقبل ترمح في الضوء مخلّفة وراءها غبارَ البطولات.
أنا أفرد بضاعتي على رصيف مرّت وتمر عليه آلاف الأقدام التي، دون أن تدري، تدهسُ ناياتٍ من قصب الظمأ، فيما تذرو الريح بقايا ريش الذكريات.
بضاعتي المزعومةُ، هي: ذاكرةُ ألم، نُدْبتُه تدلّ عليه.
ذاكرة فرح لم يزل أفراده القليلون يرشون عطراً على رقابهم ويذهبون إلى أعراس الآخرين.
ذاكرةُ أشخاص وخذلان ومواقف وقضايا.
ذاكرة أصدقاء عاشوا، حلموا، ارتحلوا، انتبهوا ثم... ماتوا.
أنا بائع النسيان الذي يعطيك منديلاً فيه رائحةُ دموع اثنين افترقا، لأنهما لم يعرفا أن الحبَّ شجاعٌ، والجبنَ هو الوصفةُ الطبيةُ لنجاةٍ فقيرة.
أنا...اكتشفت، قبل هذه السطور بدقائق...
أنني بائع النسيان، الذي أكثرُ بضائعهِ رواجاً، وأغلاها سعراً، وأفدحها مرارة، هو التذكّرُ،
وليس... النسيان!
مقطع من مذكرات بالعنوان نفسه، سوف تصدر قريباً