الجزائر | ليس على آسيا جبار (1936 ــــ 2015) الانتظار كي تُقرأ، وهي ليست المبدعة الجزائرية الوحيدة التي عانت هذه المشكلة. على الدرب نفسه، سار كتّاب جزائريون عديدون من جيلها ممن كتبوا بالفرنسية ونالوا الثناء عالمياً، على غرار محمد ديب، وكاتب ياسين ومولود معمري. هذا الجيل الذي اعتبر الفرنسية «غنيمة حرب» لا بد من استغلالها لإسماع صوت الجزائر وشعبها، وجد نفسه ضحية جلد باسم الأيديولوجية والهوية بل حتى الوطنية، وطنية دافعوا عنها بلسان المستعمر نفسه.آسيا جبار التي دخلت «الأكاديمية الفرنسية» كثالث عربية بعد المغربي الطاهر بن جلون واللبناني أمين معلوف، دفع ببعض المشكّكين إلى التساؤل عن هوية ابنة جبل «شنوة» في تيبازة الجزائرية. لم تكن فاطمة الزهراء إيمالاين (اسمها الحقيقي) «متفرنسة» كما يُتّهمُ جيلُها من الكتاب بلغة موليير، بل كانت متصالحة مع أصلها وتاريخها. حين خاطبت أعضاء الأكاديمية الفرنسية خلال انتخابها عام 2006، قالت: «بعد سنة 711، وحتى سقوط غرناطة عام 1492، أنتجت الأندلس روائع الكتب، الرحّالة ابن بطوطة المولود في طنجة، ابن رشد الذي استند إلى فلسفة أرسطو في ردّه على الغزالي، وأخيراً أعظم صوفي في تاريخ الشرق: ابن عربي الذي انتقل من بجاية إلى تونس، وسرعان ما عاد إلى قرطبة ثم إلى فاس». وأضافت: «كانت اللغة العربية أيضاً، لغة العلوم والمعرفة: الطب والفلك والرياضيات. وهكذا، حدث شيء جديد في لغة الآخر. باللغة العربية سيكتب ويبدع أجدادي الأفارقة».


لفهم إشكالية ترجمة أعمال آسيا جبار، عدنا إلى بعض شهادات مثقفين في حقها، أمثال واسيني الأعرج الذي قال: «كانت آسيا تتأسف جداً لغيابها الكبير عن المشهد العربي، لكن في الوقت نفسه، كانت تبحث عن لغة عربية جزائرية. هي جزء من أسئلة الجيل الفرنكفوني الأول التي لا تخلو من أوهام متأتية من عدم معرفتهم اللغة العربية». أما الحبيب السايح، فيقول: «إبعاد آسيا جبار عن فضاء الترجمة يعود في بعض جوانبه إلى خلافاتها مع نظام بومدين الذي قرر في سبعينيات القرن الماضي تعريب العلوم الإنسانية في الجامعة وهو التوجه الذي رفضته آسيا جبار وغادرت الجزائر على إثره إلى فرنسا، إلى جانب صعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن حقوق الترجمة».
الأكاديمي والمترجم بلقاسم عيساني، يعزو تأخر ترجمة أعمال آسيا جبار إلى امتناعها هي بالذات عن ذلك، خوفاً من سوء ترجمة معانيها، وهذا موقف نجده «لدى الكثير من المبدعين باعتبار الترجمة نصّاً لا يوثق به في أمانة النقل. أما بعد وفاتها، فالسبب مرتبط ببطء الحصول على حقوق الترجمة التي أصبحت بيد وريثتها الوحيدة أي ابنتها». ويضيف أنّ ترجمة رواية «نساء الجزائر في مخدعهن» وجدت صعوبة أيضاً في الحصول على الحقوق. عن قول بعضهم بأنّه يصعب ترجمة أسلوب ولغة الكتابة لدى جبّار، يعلّق بلقاسم عيساني: «لا دخل للأسلوب وصعوبات التعبير في ترجمة آسيا جبار. أسلوبها روائي شيق ولا يعاني من أي صعوبات نوعية باستثناء رواية أو اثنين. الباقي كله في متناول مترجم حصيف وعارف». وفي ما يخص ترجمة رواية «بعيداً عن المدينة المنورة» التي تولّاها بلقاسم عيساني، يؤكّد أنّ «ما يحول دون نشرها ــ لغاية الآن ـــ هي حقوق النشر التي لم نتلق عنها جواباً من دار النشر الفرنسية». يُرجع الروائي والمترجم محمد ساري تأخّر أعمال الروائية آسيا جبار إلى اللغة العربية إلى شراء «المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية» حقوق الترجمة والنشر منذ عام 2017، أي بعد سنتين فقط على وفاة جبار رغم أن المعمول به في العالم هو أن تمر على وفاة المؤلف على الأقل 50 عاماً حتى يتم الحديث عن حقوق الترجمة والنشر. وأوضح أنّ عدداً من المترجمين عكفوا على ترجمة أعمالها، لكنهم اصطدموا بمشكلة الحقوق التي يُجهل مضمونها والشروط التي تنص عليها لغاية اليوم. وذكر في هذا السياق معضلة ترجمة أعمال الروائي محمد ديب (1920 ــ 2003) من الفرنسية إلى العربية، إذ أكّد أنّ ثمانية أعمال حظيت بالترجمة، لكنها لم تسوّق ولا وجود لها في المكتبات لأسباب غير معلومة، غير أنّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقوق الترجمة.
وعن تفضيل جيل آسيا جبار ترجمة أعمالها إلى العامية «الدارجة» الجزائرية ليفهمها الشعب، يجيب بأنّ هؤلاء لا يعرفون لا الفصحى ولا «الدارجة» وكتبوا بفرنسية أكاديمية، ويجب أن يُترجموا إلى العربية الفصحى كما يفرضه منطق الانتقال من لغة إلى أخرى عبر الفعل الترجمي. أما «الدارجة» فهي ليست أصلاً لغة مسوّقة في سوق الكتاب في الجزائر. ويتساءل: «هل سبق أن تمت الترجمة إلى العامية؟ وهل توجد لدينا كتب باللغة الدارجة في المكتبات؟». وأكد أن العامية تصلح في المسرح والسينما والغناء، أما في الترجمة «فهذا كلام فارغ»، لا سيما أنّ العامية في الجزائر متنوعة ومختلفة من منطقة إلى أخرى بين العاصمية والوهرانية وغيرهما، ولهذا يستحيل ترجمة أي عمل إلى العامية وتسويقه في السوق الجزائرية.
وبخصوص تأثير تأخر ترجمة جبار إلى العربية، يرى محمد ساري أن ذلك لم ولن ينقص شيئاً من شهرتها التي بلغت العالمية ودخلت الأكاديمية الفرنسية لأنها تكتب بالفرنسية، واعتبر أن «مسألة حقوق الترجمة والنشر» ليست السبب الوحيد، بل إنّ هناك أسباباً أخرى أهمها مرتبط بالأيديولوجية المتضمنة داخل أفكار ونصوص جبّار الإبداعية، كما هي الحال أيضاً عند مولود معمري الذي لم يُترجم هو الآخر إلى العربية بينما نالت أعمال مولود فرعون فرصة الترجمة إلى العربية.