«وأنا الذهاب المستمر إلى البلاد» عنوان مستوحى من قصيدة محمود درويش «أحمد الزعتر»، اختاره رياض نعمة (بغداد ـــ 1968) لمعرضه القائم حالياً في غاليري Art Scene (الجميزة، بيروت). يمزج التشكيلي العراقي الصورة الفوتوغرافية بلمسة تشكيليّة في مواضع محدّدة، خالقاً مناخات تجريديّة، أليفة بقدر ما هي غريبة. المزج هذا ليس جديداً، إذ ألفته السينما (جان لوك غودار مثلاً) والمسرح عبر إدخال الفيديو (أي الصورة) إلى المشهد المسرحيّ، وحتى القصيدة استعانت بالصورة. فالمزج بين فنون مختلفة يكوّن نسيجاً متناغماً ومتآلفاً ليصير عملاً واحداً بأدوات تعبيرية مستقلّة قبل جمعها في رؤية فنّية واحدة.
بدون عنوان (أكريليك على كانفاس)


بدون عنوان (أكريليك على كانفاس)

‏في معرض رياض نعمة، ثمة طغيان للصورة الفوتوغرافية التي أضيفت إليها المشحات اللونيّة كأنّ في الأمر هرباً من اللوحة المرسومة، غير أنّه يتلافى الوقوع في السهولة التي شاهدناها في بعض الأعمال المماثلة من استسهال لإضافات محض تشكيليّة، فكنّا نرى «خربشات» لونيّة تشوّش الصورة وتشوّهها.
حين لا بدّ من إدخال فرشاة ‏الرسم إلى الصورة الفوتوغرافية، ينبغي أن يصبّ ذلك في بنية تشكيليّة منصهرة ليتكامل العمل. لو ظلّت الصورة الفوتوغرافية طاغيةً، فإنّ ذلك يعني أنّ ثمّة قصوراً في الرؤية وفي تقنيّة المزج معاً. أمّا لدى الفنان نعمة، فإنّ البقع اللونية المضافة تأخذ أبعادها الدراميّة، القاسية أحياناً، حيث للوجه حكايته، وللذاكرة الشخصيّة دلالاتها. الجنديّ واللباس العسكريّ يشيان بالعنف المنتشر في العراق، كما في بلدان عربية أخرى. تتحوّل صورته إلى قناع على سطح اللوحة مشبع بألوان قويّة. ذاكرة نعمة، القريبة والبعيدة، تستعيد وجوه أصدقاء، تمثل في اللوحة كما هي قبل الإضافة اللونيّة.

بدون عنوان (أكريليك على كانفاس)

معرض رياض نعمة لافت، متقن فنّياً، ذكيّ التصوّرات، متوازن كرؤية فنّية قائمة على المزج المنسجم والمتناغم بين فنّين مستقلّين، الفوتوغرافيا والرسم، ‏فهو لا يتوانى عن مراكمة اللون إغناءً للوحته الهجينة، ‏حتى إنّه يلجأ أحياناً إلى بقايا ملصقات قديمة.
الجنديّ واللباس العسكريّ يشيان بالعنف المنتشر في العراق

تدنو بورتريهاته من نقاء الصورة الفوتوغرافية لكنّها تتجاوزها إلى إعادة الصوغ والبناء لرؤية مركّبة من ظلال وطبقات ذاكرة تعبّر عنها المشحات اللونيّة المشبعة، لاثنتين وثلاثين لوحة (أكريليك على كانفاس) يضمّها هذا المعرض الذي يستحقّ الزيارة. علماً أنّ نعمة أقام العديد من المعارض الفردية بين الكويت ودمشق وبيروت وعمان والدوحة ودبي وبراغ وسواها، إلى جانب المشاركة في معارض جماعية في بغداد وباريس والولايات المتحدة، وحاز جائزة «المركز الثقافي البريطاني» في دمشق عام 2000.

* «وأنا الذهاب المستمر إلى البلاد»: حتى 6 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي ـــ غاليري Art Scene (الجميزة، بيروت) ــــ للاستعلام: 03/194219