ضمن برمجتها الخريفية، أدخلت قناة «الجديد» على باقتها برنامجاً جديداً يحمل اسم «فاشلين بالحبّ»، يقدّمه الكوميدي غيد شمّاس. بحسب تعريف القناة عن برنامجها، تدور الفكرة «حول مجموعة من الفتيات والشبان، الذين يلتقون في الحلقة لإمضاء 100 دقيقة معاً بحثاً عن النصف الآخر». الفكرة ليست جديدة على الشاشة اللبنانية من حيث الشكل، إذ سبقها قبل سنوات برنامج «نقشت» الذي قدّمه الممثل فؤاد يمّين على شاشة LBCI. لكنّها رغم ذلك أعادت فتح النقاش حول هذا النوع من البرامج وفائدته في ظلّ العصر الرقمي، وتحوّل الأشخاص نحو إيجاد «النصف الآخر» عبر الإنترنت، والأمر لم يعد منحصراً بفئة الشباب. يمكن انتقاد البرنامج على كمّية السطحية فيه ومبالغته في التركيز على الشكل أكثر من المضمون، رغم تقصّد القائمين عليه استحداث بعض الفقرات التي تدّعي الاهتمام بالشخصية أيضاً. لكنّ النقد يصبح عبثياً عندما نريد المقارنة مع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة، إذ إنّها لا تختلف كثيراً من حيث التركيز على الشكليّات والسخافات أكثر من المضمون. ببساطة، مهما بلغ عصرنا من تطوّر تكنولوجي حتى مع الذكاء الاصطناعي، لا يزال البشر بعيدين جداً عن استبدال العاطفة والتعابير ولغة الجسد، أو حتى القدرة على نقلها، تكنولوجياً. تبقى الحياة المادية واللقاء الحقيقي أفضل طريقة للتعرّف أكثر إلى شخصية الآخر.قد تبدو المقاربة الآنفة تقليدية بتشكيكها بفوائد العالم الرقمي، رغم أنّنا لا ننكر دور ذاك العالم في إفساح المجال أمام الأفراد للتعرّف على عدد أكبر من الناس. لكن مهلاً: ما فائدة المواعدة، وما الذي يضمن الالتزام بعلاقة عاطفية مع شخص واحد، في ظلّ وفرة «الأشكال» على «السوشال ميديا»؟ هنا نفتح أبواباً جديدة على أسئلة حول علم النفس والقيم والأخلاق، وهي ليست لبّ موضوعنا. فالسؤال هو: ما فائدة برنامج مواعدة في ظلّ وجود مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات مثل «تيندر»؟
كما يبدو واضحاً، هدف برنامج «الجديد» لا يهدف سوى إلى التسلية وتعبئة الهواء بكلفة متدنّية نسبياً. أسلوب تقديمه يوحي بأنّه لملء الفراغ ومداواة الملل، خصوصاً من حيث إدخال العامل «الكوميدي». فعلياً، التعرّف على الأشخاص عبر عالم التواصل الرقمي له مزايا أكبر بكثير من حصوله على شاشة التلفزيون، تماماً كما للتعرّف في الحياة الحقيقية مزايا أكبر من حصوله رقمياً. لكنّ جزءاً من التعرّف عبر برنامج تلفزيونيّ هو اللقاء في الحقيقة، وهذه هي النقطة الوحيدة التي يسجّلها عالم التلفزيون على العالم الرقمي. فلا مجال على الشاشة للكذب حول الهوية، ولا مجال للخداع ولا حتى الاستغلال أو الابتزاز، وهي أمور تحصل في العالم الرقمي.
يهدف إلى تعبئة الهواء بكلفة متدنّية نسبياً

لكن في المقابل، هذا يعني «فضح الأعراض» أمام جمهور واسع وفتح الباب على احتمال التنمّر، كما يعني إجبار الشخصَين «المعجبَين» ببعضهما على الالتزام بعلاقتهما على الشاشة، ولو لم يشعرا بالانجذاب تجاه بعضهما. كذلك، عدد قليل جداً من الناس سيقبل الإطلالة في برنامج مماثل، لاعتبارات مختلفة، ما يقلّص فرصة اكتشاف «النصف الآخر» الحقيقي بالمقارنة مع عالم التواصل. والأهمّ، فإنّ ساعة أو ساعتَين على «بلاتو» البرنامج لا تكفي أبداً للتعرّف على أيّ كان، في مقابل ساعات وأيّام وربّما أشهر متاحة أمام مَن يرغب بالتعارف عبر الإنترنت. فشخصية الإنسان لا تظهر دفعةً واحدة، بل على دفعات تتغيّر بحسب الظروف التي تحيطه.
باختصار، لم يعد من فائدة لبرامج تدور حول فكرة المواعدة. ربّما ظهرت غريبة وعصرية (eccentric) في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، لكنّها تبدو الآن باهتة عفا عليها الزمن. إلّا أنّ هذه هي حال معظم البرامج التلفزيونية اللبنانية اليوم باختلاف مواضيعها، بسبب الأزمات التي تعصف بالقطاع الإعلامي خصوصاً والبلد عموماً منذ سنوات عديدة، وقد اشتدّ خناقها في السنوات الثلاث الماضية. على الأرجح، بات علينا كلبنانيّين تقبّل أنّنا «فاشلين» بالبرامج.

* «فاشلين بالحبّ»: س:21:30 مساء السبت على «الجديد»