«لا يبكي خليل حاوي، ولا هو من جماعة النبلاء ولا من قبيلة الدمعة على رحيل الذهب والفضة وسائر المعادن، ولا من القوم الذين عندهم الضوء، ضوء القنديل وضوء المعرفة وضوء القصيدة تذهب في الفيافي وفي حقول الفاكهة والأشجار في فصولها. كما وفي تحوّلاتها وانقلابها من نقطة هائمة في الأرض وفي ملاعب السماء إلى حيث الهلاك والانتقال من مرحلة البدء إلى حقبة التمرّد. وإلى حيث الكروم وحيث يتلألأ العنقود. وإلى حيث الحيرة هي كلمة وليست غيمة وليست العبور من شرارة إلى الأوج وإلى الصعداء» كلمة الشاعر شوقي أبي شقرا تصدّرت غلاف «الديوان الأخير- قصائد غير منشورة» («دار نلسن» و«مؤسسة أنور سلمان الثقافية») الذي صدر بعد أربعين عاماً على رحيل خليل حاوي (1919 ــ 1982). أول من أمس، أقيمت احتفالية بهذه المناسبة في «قاعة عصام فارس» في «الجامعة الأميركية في بيروت»، حيث عمل حاوي أستاذاً في الأدب العربي. يُذكر أنّ قصيدة حاوي الأخيرة هي رصاصة أنهى فيها حياته عام 1982، وقال أصدقاؤه إنّ سبب الرصاصة هو الاجتياح الإسرائيلي لبيروت والحرب الأهلية.

الاحتفالية أريد منها تسليم «جائزة أنور سلمان للإبداع» عن الشعر العربي في دورتها الثانية، التي أُعلن عنها في شباط (فبراير) الماضي. ومُنحت للشاعرين العُماني حسن المطروشي والأردنية مها العتوم. قدّمت الاحتفالية الشاعرة والكاتبة لوركا سبيتي، كما ألقت كلمة دائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى في الجامعة حُسن عبّود، وكانت كلمة لرئيس «مؤسسة أنور سلمان»، نشأت سلمان معلناً عن أهمية الديوان الأخير لحاوي، ومعلناً عن إطلاق الجائزة الطالبية للمبدعين من الطلاب.
الشاعر شوقي بزيع ألقى كلمة اللجنة التحكيمية، مؤكّداً على أهمية الشعر والأدب في مواجهة سماسرة الفساد والمصارف، وعُرضت مقاطع فيديو من بينها تحية إلى بعض الشعراء الذين وافتهم المنية في الألفية الثالثة من فدوى طوقان إلى محمد علي شمس الدين، وقصيدة «على ضفة الرّون» للراحل أنور سلمان بصوته. وفي كلمة لأمين سر المؤسسة ومؤسس «دار نلسن» سليمان بختي، أُعلن عن إطلاق ديوان حاوي والاحتفاء بالشعر من بيروت نبع الحداثة «هذا تأكيد على أنّ الشعر لا يموت، والطلقة الأخيرة التي أطلقها حاوي على نفسه هي طلقة الحرية، ولا أحد يمكنه إسكات صوت الحرية. وتحدّث بختي عن أهمية التشبيك بين المؤسسات الثقافية. يروي الناشر والأديب والصحافي سليمان بختي في الديوان قصة الكتاب، فيقول: «في الذكرى الأربعين لرحيله نعود إليه، شاعر الرؤيا. هذا «الديوان الأخير» هو ثمرة جهد أكثر من عشر سنوات. حاولنا أن نجمع هذه القصائد التي كتبها حاوي في سنواته الأخيرة ولم تسعفنا الظروف ولا الأيام آنذاك. هذه السنة كانت مؤاتية وبهمّة عائلة الشاعر وجهود جمانة حاوي ابنة إيليا، شقيق خليل، أنجزنا العمل».
في حديث لـ«الأخبار»، تقول جمانة: «لم تكن الظروف مؤاتية لإصدار الديوان قبل اليوم. وكما قال الأستاذ بختي في مقدّمته، راودته فكرة نشر القصائد قبل أكثر من عشر سنوات، وتمّ العمل عليها ووجد أنّ الظروف مؤاتية حالياً. تضافرت الجهود، ووُفّقنا في إصدار «الديوان الأخير»». وعما إذا كانت القصائد المنشورة معدّة للنشر من قبل حاوي نفسه، تجيب: «أغلب القصائد مطبوعة على الآلة الكاتبة كأنّها معدّة للنشر، وهذا ما آثرنا نشره». وعن أبرز العقبات التي اعترضت سير العمل والمسؤولية الملقاة على عاتق العائلة، تشرح قائلة: «هناك مسؤولية كبيرة في غياب الشاعر، فهو مثلاً غير موجود ليقرّر ترتيب القصائد، والتهيّب أمام المهمّة كان كبيراً. قيمة القصائد على سبيل مضامينها كانت عامل تشجيع لنا، وتطوّرات مراحل عدّة من حياة الشاعر وعصبه الشعري موجودة بوضوح. ما زالت هذه القصائد حداثية في يومنا هذا».
وكان مقرراً أن يكتب مقدّمة الديوان ويدقّق في قصائده الناقد والأكاديمي والباحث وجيه فانوس بسبب شغفه بأستاذه خليل حاوي، إلا أنّ رحيله حال دون تنفيذ كامل المهمّة، وتمّت الاستعاضة عن المقدّمة بمقالة كتبها فانوس في 13 حزيران (يونيو) 2022 في الذكرى الأربعين لوفاة حاوي تحت عنوان «خليل حاوي محلّقاً في فضاءات العيش والشّعر والأمّة». وممّا أتى فيها «وحده خليل حاوي بين الشعراء العرب المعاصرين استطاع أن يصل إلى رحاب توحّد الذاتي بالجمعي. ولذلك فإنّه كان الشاعر الوحيد الذي لم يجد بداً من الموت». وكتب محمود شريح عن أستاذه في مادة النقد الأدبي في الجامعة الأميركية تحت عنوان «خليل حاوي كما عرفته في سنواته الأخيرة»، مركّزاً على ولاء حاوي لأفكار أنطون سعادة وفهمه الدقيق لأسطورة أدونيس/ تموز كما جسّدها سعادة في «الصراع الفكري في الأدب السوري».
اللافت أنّ القصائد الثماني عشرة مرتّبة تحت مسمّى «اقتراح لترتيب القصائد». وبعض القصائد متربّعة بشكلين: الأول مصفوف والثاني بخطّ يد حاوي، ومزدانة برسوم للفنان التشكيلي شوقي شمعون. والجزء الأخير من الديوان يتضمّن صوراً من أرشيف الشاعر ولوحات بورتريه وأغلفة دواوينه.