أي واحد من الكتب الستة في القائمة القصيرة سيكون فائزاً جيداً، لكن ما أُعجب به الحكام بشكل خاص واستمتعوا به في رواية «أقمار مالي ألميدا السبعة» (The Seven Moons of Maali Almeida ــــــ دار Sort of Books ــــ يناير 2020) كان «أفقها الطموح، والجرأة المرحة لتقنياتها السردية. هذا فيلم تشويق ميتافيزيقي، رواية سوداوية للحياة الآخرة لا تلغي الحدود بين الأنواع المختلفة فحسب، وإنما بين الحياة والموت، الجسد والروح، الشرق والغرب. إنها قصة فلسفية جادة تماماً تأخذ القارئ إلى «قلب العالم المظلم»، الفظائع القاتلة للحرب الأهلية في سريلانكا. وبمجرد الوصول إلى هناك، يكتشف القارئ أيضاً الرقة والجمال والحب والولاء والسعي وراء المثل الأعلى الذي يبرر كل حياة بشرية»: هكذا صدّرت اللجنة التحكيمية لجائزة «بوكر» المرموقة إعلانها أول من أمس عن فوز الكاتب السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا بها لعام 2022.

كاروناتيلاكا ثاني سريلانكي يفوز بهذه الجائزة التي تمنح لأفضل رواية صادرة باللغة الإنكليزية

في ذروة الحرب الأهلية في سريلانكا، تصدمنا الرواية منذ الصفحات الأولى: مالي ألميدا، مصور حرب، مقامر ومثلي الجنس، تُبعث روحه من الموت في ما يبدو أنه مكتب تأشيرات سماوي، بينما يغرق جسده المقطوع في بحيرة بيرا في وسط كولومبو من دون أن يمتلك أدنى فكرة عن هوية قاتله. لدى مالي «سبعة أقمار» تساعده لمعرفة من قتله ومحاولة الاتصال بالرجل والمرأة اللذين يحبهما أكثر من أجل قيادتهما إلى مخبأ مخفي للصور التي يمكن أن تهز سريلانكا بأسرها، في الوقت الذي قضى فيه الكثير حتفهم في الصراعات العرقية الدامية من قبل فرق الموت والمفجرين الانتحاريين والقتَلة المأجورين. لذا، ستطول قائمة المشتبه فيهم بشكل محبط، وحتى في الحياة الآخرة، فإن الوقت ينفد بالنسبة إلى مالي. «بدأت التفكير في حبكة الرواية في عام 2009، بعد نهاية حربنا الأهلية. كان ثمة نقاش محتدم حول عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم في أهوالها. بدت قصة الأشباح حيث يمكن للموتى أن يقدموا وجهة نظرهم فكرة غريبة بما يكفي كي أسبر أغوارها أكثر، لكنني لم أكن شجاعاً بما يكفي للكتابة عن الحاضر. لذلك عدت عشرين عاماً إلى الوراء، إلى عام 1989 المظلمة. كان ذلك أحلك عام في ذاكرتي، حيث اجتمعت حرب عرقية وانتفاضة ماركسية ووجود عسكري أجنبي وفرق مكافحة الإرهاب التابعة للدولة في بوتقة واحدة. كان زمن الاغتيالات والإخفاء القسري والقنابل والجثث. لكن بحلول نهاية التسعينيات، كان معظم الخصوم قد ماتوا، لذلك شعرت بأمان أكبر في الكتابة عن هذه الأشباح، بدلاً من تلك الأقرب إلى الحاضر».
يقف شيهان كاروناتيلاكا في طليعة مؤلفي الرواية في سريلانكا اليوم. بالإضافة إلى رواياته، فقد كتب الكثير من أغنيات الروك والسيناريوات وقصص السفر والرحلات. سطع نجم كاروناتيلاكا على الساحة الأدبية العالمية ولا سيما الأنغلوفونية في عام 2011، عند تتويجه بـ «جائزة الكومنولث للكتاب»، وجائزة DSL وجائزة Gratiaen عن روايته الأولى Chinaman. كما تمّ إعلان الكتاب ثاني «أفضل كتاب كريكيت» في كل العصور من قبل «مؤسسة ويسدن» التي تبث أخبار الرياضة التي يقال إنها ثالث المصادر الثرية للغة الإنكليزية (في المملكة المتحدة ودائرة تأثيرها الثقافي) بعد أسفار العهد القديم المترجمة وخطب مجلس العموم البريطاني.


وُلد كاروناتيلاكا في جالي (سريلانكا) عام 1975، ونشأ في كولومبو، وتنقّل في العمل والدراسة بين نيوزيلندا ولندن وأمستردام وسنغافورة. نشر أعماله في دوريات مرموقة مثل «رولينغ ستون»، «جي كيو» و«ناشيونال جيوغرافيك». كما عمل كمؤلف إعلانات وعازف على الغيتار في فرقة تدعى «إندبندنت سكوير». «لقد اقترضت الكثير من الأساطير وأيضاً فكرة أنّ الروح تحوم حول نفسها لمدة سبعة أيام. ترى ذلك في أشكال مختلفة من البوذية والديانات الشرقية الأخرى. لكن الإنجاز الحقيقي كان رؤية الحياة الآخرة كمكتب تأشيرات، كبيروقراطية حكومية تتجول فيها الأرواح، ولا تعرف إلى أين من المفترض أن تذهب».
تحمل روايته الفائزة «أقمار مالي ألميدا السبعة» تأثّراً وضحاً بأسلوب الكاتب الأميركي الراحل كورت فونيغوت


في روايته «أقمار مالي ألميدا السبعة»، تأثر كاروناتيلاكا كثيراً بالكاتب الأميركي الراحل كورت فونيغوت (1922-2007)، لا سيما بروح لدعابة الضرورية لفهم الحياة الآخرة التي كانت شخصيات الرواية عالقة فيها والظروف التي لقيت حتفها خلالها: «الاشمئزاز الذي شعر به فونيغوت تجاه الإنسانية وهمجية التاريخ كان له صدى مع خيبة الأمل التي شعرت بها تجاه جزيرتي الجميلة والأغبياء محدودي الأفق الذين دمّروها، كما وقدرته على رؤية المأساة من خلال عدسة العبث، ومزج الأنواع وتقلّبات المزاج، وأن يكون مفجعاً ومرحاً في مساحة الجملة السردية، هذا هو المعيار الذهبي الذي نطمح إليه جميعاً». مستلهماً أستاذه، يلجأ كاروناتيلاكا إلى سرد مخاتل بضمير المتكلم يتم تقديمه بلمسة خفيفة بشكل مذهل وبنقلات رشيقة بين الأحداث، بالتناوب بين الرقة والغضب بكل الطاقة المبهجة التي تغمس القارئ في عالم غني يجمع غموضه بين الكوميديا والتراجيديا السوداء: هذا هو التاريخ السريلانكي باعتباره خرافة، وإثارة، وحكاية وجودية تعجّ بأرواح الموتى، رواية إنسانية بعمق حول كيفية العيش في ظروف لا تطاق، وحول ما إذا كان التغيير ممكناً، حول سريلانكا بفوضويتها العنيفة التي يصفها الكاتب بجملة مثل: «لديك رد واحد لأولئك الذين يعتقدون أنّ كولومبو مكتظة: انتظر حتى تراها مع الأشباح».