لم ننم في الليلة الماضية، إلا بعد طلوع الفجر بساعة. كانت الكهرباء منقطعة وأصوات القذائف في كل مكان، نهضنا من نومنا فَزعين على صوت انفجار أولي تحذيري (صاروخ زنانة)، ثم صاروخ تحذيري آخر، الكل نهض من النوم لأنّ المنزل كان يرتج ويتحرك بشكل مخيف من أثر الصاروخ، ونحن في حالة ترقب واستفسار واستنفار. الضربة الأخيرة كانت مدوية جداً، دمرت منزل الأستاذ/ وليد مخيمر، ناظر مدرستي ومدرّسي في فترة الثانوية، هرعنا للمكان. كان خراباً كاملاً، والبيوت المجاورة شبه مدمرة.
الناس مصطفة في المكان، تصوّر الحدث وتتناقل الأخبار عن تحذيرات أخرى في المنطقة. القصف أصاب الأطفال بالهلع هنا، وجعلهم في حالة بكاء شديد. حتى الكبار فزعوا وخافوا، الكهرباء انقطعت تماماً عن المنطقة وهذا يعني 24 ساعة انقطاع للتيار الكهربائي. القصة لم تنتهِ بعد، لأن المنظر المخيف ما زال يعشش في رؤوسنا. هل سنتجاوز كل هذا الدمار المادي والنفسي لاحقاً؟

مشاهدات عابرة في الطريق


لم يكن قرار ترك منزلي في المنطقة الوسطى، واللجوء إلى جنوب غزة، قراراً سهلاً. رغم أنني يومياً أقطع هذه الطريق أكثر من مرة، إلا أن هذه المرة مختلفة تماماً. الطريق ممتلئة بالبيوت التي تناثرت حجارتها على الطرقات، والشوارع تبدو خالية، والمدن أشبه ما تكون بمدن أشباح. لكن لا بد من هذا القرار، فالبحر الذي كان نسيمه يداعب وجهي ويشعرني بحرية الحياة في غزة، أصبح لا يقدم لي أكثر من هدايا متفجرة، وصواريخ مشتعلة تدك البيوت، ولم يعد أحد قادراً على رؤية زرقة البحر التي اختلطت بلون الخوف والموت.
في الطريق.
المشهد الأول
مبنى على شاطئ البحر دير البلح مدمر تماماً. لا أحد، سوى الريح ورائحة البارود.
المشهد الثاني.
رجل يقرأ القرآن وهو جالس أمام دكانه الصغير، يرفع نظره إلى سيارتي التي عبرت المكان بسرعة كبيرة... كأنه يسأل نفسه أين ذاهب هذا المجنون؟
المشهد الثالث
في وسط الطريق، سيارة واحدة أشعرتني أنني لست وحدي في العالم، لكنها سرعان ما انعطفت مسرعةً في شارع فرعي. لم أعرف لماذا؟ إلا عندما بدأت أشعر بصوت الطائرات فوق رأسي. رفعت صوت المذياع في السيارة حتى لا يلتفت أبنائي لصوت الطائرة، فيفزعون ويدب الرعب في قلوبهم.
المشهد الرابع
مدينة تطل بوجهها على الحياة. خان يونس. لكن يبدو أنها حزينة جداً. أول المشاهد بيت مقصوف، والثاني ناس يجلسون في تجمعات على أبواب البيوت، ويشعرون أنهم يتبادلون الحديث عمَ سيجري بعد قليل.
المشهد الخامس
أنا في البيت في خان يونس بين رهط الأطفال ولفيف الجيران، الأجواء هنا مختلفة تماماً. لا أخبار تخفى عليك. تشارك الكل في لحظة كل شيء، فالموت هنا يأتي فجأة. تجد نفسك في لحظة في بيت صديق لك، أو جار، أو أقرب مستشفى.