يقول أحد العاملين في «تلفزيون لبنان» واصفاً الوضع الحالي فيه: «لا نكاد نحفظ اسم رئيس مجلس إدارة، حتى يتغيّر بعد فترة قصيرة وتذهب مخططاتنا معه أدراج الريح». ويضيف الموظف الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه: «يفكّر القائمون اليوم في إطفاء التلفزيون بعد الثامنة مساءً بسبب نقص المازوت. وهناك مخطط قيد الدرس حالياً لاختصار ساعات البث، لأنّ كلفته عالية. في مقابل هذه الخطوة المؤسفة، لا يزال التلفزيون يُطلق برامج جديدة لا يُعرف سبب بثها ومن يقف خلفها. حتى إنّ الموظفين يشعرون بتبدّل هوية المحطة الرسمية. بدل أن نشاهد أرشيف الفنانين الكبار، تعرض الشاشة حفلات لمغنين لم نسمع بهم سابقاً. كما يتم تحويل القناة إلى محسوبيات سياسية وإعلانية. كيف يسمحون بتدمير شاشة عالقة في ذاكرة اللبنانيين وصاحبة أغنى أرشيف في العالم العربي»!من يتابع ملف «تلفزيون لبنان»، يعرف جيداً أن وضعه لا يبشّر بالخير، من نواح عدّة أبرزها تراجع قيمة أجور الموظفين، والمشاكل التقنية والإدارية، على اعتبار أن أزمة التلفزيون ليست وليدة الأزمتين الاقتصادية والسياسية التي يمرّ بهما البلد، بل نتيجة تراكمات سنوات طويلة من تعاقب رؤساء على مجلس إدارته من دون إيجاد حلول. لكنّ الأزمات الحالية وتحديداً ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، زادت الطين بلّة، خصوصاً مع فقدان قيمة رواتب الموظفين (تراوح بين مليون ونصف مليون ليرة و 7 ملايين ليرة تبعاً لسنوات عملهم).
في هذا السياق، شهد التلفزيون تغييرات عدّة في رئاسة مجلس إدارته، لكنّ الأسماء التي تم تعيينها لم تستطع أن تنتشله من أزمته. في صيف 2021 عُيّن توفيق طرابلسي رئيساً لمجلس الإدارة بقرار صدر عن قاضي العجلة بعد انتظارٍ دام قرابة أربع سنوات. استبشر الجميع خيراً بتعيين طرابلسي، على اعتبار أنّه صاحب خبرة في مجال الإنتاج التلفزيوني. لكن لم يمرّ عام على تسلّمه مركزه حتى قدّم استقالته فجأة من دون معرفة الأسباب. مع العلم أن طرابلسي وعد كما سابقيه، بدرس ملف التلفزيون ومحاولة استنباط حلول لمشاكله. بقي كرسي مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» شاغراً، إلى حين تعيين فيفيان لبّس في الإدارة العامة للتلفزيون بموجب قرار قضائي مستعجل قبل أشهر.
تلفت المعلومات لنا إلى أن موظفي «تلفزيون لبنان» لم تشملهم التعديلات في رواتب القطاعين العام والخاص، وهذا الأمر أجبرهم على العمل يوماً أو يومين في الأسبوع فقط، ما شكّل تراجعاً في أداء القناة. وتشير المصادر إلى أن التلفزيون يشهد حالياً أزمات من مختلف النواحي، قد تؤدي إلى فوضى لن تحمد عقباها. ويلمّح بعضهم إلى أنّ بعض الأطراف السياسية في لبنان قد تستغلّ هذه الفوضى من أجل تمرير رسائل سياسية تخدم فريقاً ضد آخر. يتابع المصدر حديثه عن وضع القناة، لافتاً إلى أن مناصب دوائر في «تلفزيون لبنان» قد أُفرغت من مدرائها بعدما أحيل هؤلاء إلى التقاعد وهي: مديرية الأخبار، ومديرية البرامج والإنتاج، وإدارة القسمين التقني والأرشيف. تلك الإدارات الأساسية في تسيير عمل «تلفزيون لبنان»، صارت شاغرة من قبطان يديرها، فاستسلمت للفوضى.
في آخر التطورات في ملف التلفزيون، خرجت أخيراً أصوات معلنة بأنّ الأخير يشهد تغييرات في هويته بعدما انضمّ إليه بعض المقدّمين الجدد المحسوبين على حزب معيّن، وتحديداً «حزب القوات» اللبنانية. ففي الوقت الذي تمرّ فيه الشاشة بأزمة مالية لم تعد خفيّة على أحد، التحق بها أخيراً مقدّمون معروفون بانتمائهم إلى «القوات». بدأ الأمر مع انضمام وليد عبود إلى «تلفزيون لبنان» حيث يقدّم البرنامج السياسي «مع وليد عبود» الذي انطلق قبيل الانتخابات النيابية في الربيع الفائت، ما ترك أسئلة عدة حول أسباب ظهوره على الشاشة المحلية، بخاصة أن عبود يتبوّأ منصب رئيس تحرير أخبار قناة mtv إلى اليوم. في الوقت الذي مُنع فيه عبود من تقديم برنامج على شاشة المرّ بعدما التحق بها مارسيل غانم الذي يقدم برنامج «صار الوقت»، بدأ يفتش عن واجهة إعلامية ليطل عليها بعيداً عن mtv، فوجد أن «تلفزيون لبنان» فرصة لا تفوّت! من يتابع «مع وليد عبود» يلاحظ أنه عبارة عن صندوق بريد لرسائل سياسية يتم توجيهها من خلال الضيوف الذين يحاورهم ويغلب عليهم الهجوم على طرف سياسي واحد.
في هذا الإطار، تلفت معلومات لـ «الأخبار» إلى أن برنامج عبود احتاج إلى ميزانية لافتة لتنفيذه وتحضير الديكور، بينما «تلفزيون لبنان» غارق في مشاكله الاقتصادية، فمن موّل المشروع التلفزيوني؟ في المقابل، يتحضر أنطوان سعادة وشكري مكرزل لتقديم برنامج جديد يحمل اسم «كلام يوصل»، مع العلم أن المقدّمين محسوبان على «القوات» أيضاً.
يشكّل برنامج وليد عبود منبراً للهجوم على طرف سياسي واحد


من جانبها، تقول لنا المديرة العامة لـ «تلفزيون لبنان» فيفيان لبّس: «انطلاقاً من الواقع الاقتصادي الضاغط الذي يعانيه التلفزيون، كان طبيعياً مراجعة العقود والاتفاقيات المعقودة مع الإدارات السابقة، لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، من أجل ترشيد الإنفاق لبدء خطوة الألف ميل لإعادة هذه المؤسسة إلى سابق عزّها. اتخذتُ قراراً بعدم وضع أي فيتو على استضافة أي شخصية، وتمنيت على معدّي ومقدّمي البرامج ممارسة عملهم بحرية مطلقة تراعي مهنياً الاحترام لموقع الشاشة والمشاهد».
وعن إطلالة وليد عبود على «تلفزيون لبنان»، تجيب لبّس «من بين الاتفاقيات مع «تلفزيون لبنان» اطلعت على اتفاقية موقّعة في عهد وزيرة الإعلام السابقة منال عبد الصمد، وتنصّ على عمل التلفزيون مع وليد عبود. لم تُنفذ الاتفاقية بسبب استقالة الحكومة، لكن التزاماً مني بمفهوم احترام استمرارية الإدارة، قررت تنفيذ الاتفاقية التي تعطي الشاشة رونقاً تحتاج إليه بعد مرحلة طالت بتوقف الإنتاج في «تلفزيون لبنان» لأسباب اقتصادية».
أما عن انضمام انطوان سعادة لتقديم برنامج «الكلام يوصل» فتوضح لبّس: «الاتفاقية مع سعادة موقّعة مع المدير السابق للتلفزيون توفيق طرابلسي، وقد بقيت معلّقة. البرنامج ثقافي اجتماعي تنموي بعيد عن السياسة، يعتمد على تمويل نفسه أسوة ببرامج كثيرة تُنفّذ في مؤسسات إعلامية عريقة».
تتوقف لبس عند الأخبار المنتشرة حول محاولة «حزب القوات» وضع يده على التلفزيون من خلال انضمام بعض الوجوه المحسوبة عليه، قائلة: «هذا الكلام غير صحيح، ولا ترجمة له في قاموس إدارتي للتلفزيون. «تلفزيون لبنان» يجمعنا كلنا».