نعرف تلك الصورة التي نشرتها «فرانس 24» قبل يومين، نعرفها جيداً، وإن كنّا لم نرها قبلاً. الصراع مع اسرائيل طويل لدرجة أنه يجعل انتظار بارقة تعاطف من الاسرائيليين مع ضحاياهم من صنوف السذاجة. الصراع معقّد وطويل، ولا أحد ينتظر أن يتعاطف أحد مع عدوه. بطبيعة الحال، لا نعرف الأشخاص الذين فيها، لكن التعليق الذي رافقها يقول إنهم اسرائيليون يراقبون ضرب غزة من سيديروت. بدا هؤلاء مرتاحين تماماً لسير العمليات.
يشاهدونه كما لو أنهم في سينما. بهذه الصورة التي قد تبدو حدثاً عابراً، يكتمل التقمص الاسرائيلي لدور الجلاد النازي، باستعارة واحدة من أبرز أدوات الأخير في الحرب. إنها صورة لإظهار فائص القوة، ولا تقيم أي اعتبار لردة فعل العالم، خصوصاً أنّ الاسرائيليين جرّبوا هذا الأمر مراراً خلال السنوات الأخيرة، في غزة تحديداً. لماذا يتحرك العالم ضدّ مستوطنين هاربين يراقبون تحويل المنازل إلى ركام في غزة، تستخرج من تحتها جثث ضئيلة لأطفال ومدنيين، بينما لم يتحرك، في الأساس، ضدّ صور القتل نفسه؟ العالم آخذ في السكوت عن المجزرة، فلماذا لا يسكت عن تصفيق الاسرائيليين لها؟ الصورة بحد ذاتها ليست صادمة، أكثر من عشرات الصور اليومية التي كان يجب أن تصدم العالم منذ عشرات الأعوام. نتحدث عن محرقة متقطعة تحدث في غزة، وطالما أن العالم يسكت عن المحارق، فمن البديهي أن يسكت عن المرأة ذات الملامح الحادة في الصورة التي ترتعش منتشية بلقطات الطائرات وهي ترمي القذائف على القطاع المحاصر. صحيح أن مفردة محرقة صارت مستهلكة كثيراً، غير أن الاسرائيليين يملكون ما يضيفونه إلى مجازرهم الآن: اجترار التفاصيل المحيطة بالمحرقة التي يعيدون انتاجها، ونقلها للشعب الاسرائيلي في معرض الافتخار بالقدرة على إبادة الأعداء.

صورة لإسرائيليين يستمتعون
بمشاهدة ضرب القطاع
في أي حال، سكوت الإسرائيليين عن الصورة، يدل على أنّهم ليسوا في أفضل أحوالهم. قبل أيام، كتب الصحافي الإسرائيلي ــ المعروف نوعاً ما هناك ــ ايتان هابر مقالاً عاطفياً (رديئاً) في «يديعوت أحرونوت»، بدأ بشاعرية هزيلة وأنهاه بكلمتين: الله كبير، أو ما يعادلهما بالعربيّة. بركاكة بالغة، وصف عيون الاسرائيليين التي انتفخت بسبب قلة النوم، وعضلاتهم المصابة بآلام جديّة، جراء السير السريع نحو ما وصفه بالمجالات الآمنة. الرجل لا يقذف كلماته في الهواء، هذه ثقافة اسرائيليّة مألوفة، لا تقوم على استلاب الحدث وحسب، بل تستلب أجزاءً من التاريخ أيضاً، وتوظف محاورها في ملعب الدعاية دائماً. لطالما أراد الاسرائيليّون الجلوس في صورة الضحيّة، كي يفرطوا في جلد الفلسطينيين ببالٍ مرتاح. وهابر المقرّب من اسحاق رابين سابقاً، لم يخرج عن السائد في تطور الدعاية الاسرائيليّة، وهذا يمكن تفسيره على مقياس كرونولوجي، منذ أول الحروب مع العرب حتى العدوان الأخير على غزة. لكن ما رفض العرب الاعتراف به، بإعلامهم ووعيهم الجماعي طوال الوقت، أن الإسرائيليين يخافون أيضاً. لم يصدّق العرب المدرسة التي تخرّج منها هابر. وقبل انجازات المقاومة اللبنانيّة تقريباً، لم يكن أحد يصدّق منهم أن الانتصار على اسرائيل فرضيّة قابلة للتحقق. صورة الصحافي آلان سورنسن في سيديروت الأقرب إلى غزة لناحية المدى الجغرافي لها «ايجابيّة» واحدة رغم ضحالة الأخلاق التي تظهرها. إنها تغيّر نوعي وتقريباً دخيلة على أدوات الاسرائيليين في الإعلام. إنها الصورة التي لا يحبّون أن يراها العالم، لكن وظيفتها رفع المعنويات في المعسكر الاسرائيلي. عسى ألا يفرط الإعلام العربي بالمبالغة في نشوة الصواريخ، ويركز على همجية العدوان الاسرائيلي، والبشار الذي يقرقع في أفواه الجالسين خلف الشاشة في سيديروت، متفرجين على أشلاء الأطفال الفلسطينيين. تلك الصورة الكريهة التي تفوح منها رائحة الموت، وعدم اعتراض اسرائيل على ظهورها كما في كل مرة، يعني أن الاسرائيليين، ربما، باتوا أكثر مللاً، وأكثر ميلاً للتصديق أن لا حرب واحدة قد تنهي جميع الحروب. والأهم، ثمة فئة واسعة في اسرائيل بدأت تصدق أن الفلسطينيين لن يصبحوا هنوداً حمراً. الصورة موجهة إلى هذه الفئة بالذات، الفئة الخائفة في اسرائيل. يبدو أن قتل الفلسطينيين لم يعد كافياً لإرضاء النزعات اليمينيّة الآخذة في الصعود داخل المجتمع الاسرائيلي، بل يجب أن يكون ذلك واضحاً للجميع، وعلى شاشة عملاقة.

http://observers.france24.com/content/20140711-israelis-watch-air-strikes-gaza-it-was-piece-cinema