غزة | هذا ليس خبراً عاجلاً حقيراً، ليس تقريراً أخرق، هنا لا ندفع مزيداً من الدولارات للكتابة، هنا لا شيء سوى ما نرى، هنا رسالة من تحت سماء غزة. تبخر الباب، صار غباراً، لكنه استطاع أن يحشر جسده الطري من فُتحةٍ بين آخر السقف وأول الركام، حمل بين راحتيه، حبة بندورة وقليلاً من الملح وبعض الخبز، لم تستطع القذائف منعه من شيء أراده بشدة.
البيت صار قبراً والقبر فيه متسع لشمعة واحدة بين أخريات فقدت قدرتها على الاشتعال. استطاع رغم كل الظلام، أن يرى أمه وأخوته الأربعة يتربعون كما تركهم منذ بضع دقائق حقيرة، حول صحن فول وبصلة، اقترب منهم وضع ما حملته يداه. نادى أمه، استدار ليلكز أخته، وينظر إلى أخيه بعمق، لم يعنه ذلك الدم اللزج، ولا السكون والصمت المطبق على المكان، ولم تعنه برودة المكان. كان مصمماً على إيقاظهم، يريد أن يمارس مشاكسته اليومية مع إخوته على آخر لقمة في صحن الفول، يريد بشدة أن يجذب أحدهم من طرف ثوبه، ليشكوه لأمه، يريد بقوة أن يتحدث عن شيء ما، أخذ يقص عليهم آخر حكاية روتها له أخته، حاول كل شيء لكنه في نهاية الأمر تمدد في وسط الركام واستسلم للخوف.