تسعى «الجزيرة» (انطلقت في 1996، لكنها لم تبث 24/24 إلا عام 1999) و«العربية» (بدأ إرسالها الرسمي في 3 آذار/ مارس 2003) إلى رفع مستواهما في تغطية أي خبرٍ أو حدثٍ في الوطن العربي. لكن المراقب المحترف يلاحظ أنّ المحطتين تضعان نصب أعينهما نموذجاً محدداً لا تحيدان عنه: «سي أن أن».
قناة التلفزة الإخبارية الأميركية التي حققت نجاحاً كبيراً إبان تغطيتها لحرب الخليج الأولى، فضلاً عن مهاراتها العالية وتقنياتها الاحترافية، جعلتها أشبه بمثالٍ يحتذى. المشكلة في التقليد الحرفي للقناة الأميركية أنه يتعدى مجرّد النسخ، فبعض «الغرافيكس» في القناتين العربيتين نجده قريباً مما تقوم به القناة الأميركية، وحتى في بعض «الديكورات» في برامجهما كفكرة مذيع الأخبار الذي يتحدث وخلفه مكاتب القناة وموظفوها يعملون، وهي الفكرة التي استنسخها الجميع لاحقاً (لا تزال «العربية» تقوم بها، بينما ابتعدت منها «الجزيرة» أخيراً). ما تستنسخه المحطتان أيضاً أمرٌ آخر: «صنعة الخبر». ما حدث إبان الأزمة في سوريا من الاعتماد على فكرة «شاهد العيان» و«المتحدث الرسمي (وغير الرسمي) للتنسيقيات» كان «صنعةً» أكثر من كونه نقلاً حقيقياً للخبر. القنوات الإخبارية لم تعد أبداً مجرد ناقلٍ للخبر بحد ذاته، لقد صارت صانعة الحدث. حتى اللحظة في عدوان غزة 2014، تقدّم «سي. أن. أن» الصهاينة على أنّهم يدافعون عن أنفسهم وعن أطفالهم «الأبرياء» ضد «قتلة حماس الإرهابيين»، وأن ما يقوم به «جيش الدفاع» الصهيوني عمل منطقي وأخلاقي. صنعة الخبر المدهشة يمكن رؤية تأثيرها الكبير، إذ يكفي فقط النظر إلى الرأي العام الأميركي على وسائل التواصل الاجتماعي لتعرف بأنّ هناك نسبة كبيرة منه توافق رؤية «سي. أن. أن» وتبصم عليها.