«هنيئاً للمحطات التلفزيونية بكرنفال الإعلانات التجارية الذي ربحته لتقصفنا به في أوقات عرض المسلسلات التي نودّ متابعتها من دون هذا الكمّ المُنفر من الإعلانات». يهمس أحد مشاهدي الدراما السورية، مضيفاً: «لتبرمج تلك المحطات جدول عروضها كيفما تشاء، فالغالبية العظمى من المشاهدين لن يفوّتوا مباراة واحدة من المونديال الذي يختتم في البرازيل يوم الأحد. كذلك لن يحبس أحد نفسه بين 4 جدران بعد اليوم من أجل مشاهدة حلقة من مسلسل.
في سوريا تحديداً، لا نأبه إن فاتتنا حلقات من مسلسلات اخترناها بسبب الانقطاع المتكرّر للتيار الكهربائي، فكل شيء صار متوافراً على يوتيوب». كأنّ زمن التلفزيون صار على وشك الاندثار بعدما سجّلت بعض حلقات المسلسلات الرمضانية حوالى مليوني متابع على يوتيوب، خصوصاً أنّ القنوات حمّلت مسلسلاتها بشكل فوري بعد انتهاء العرض الأول من كل حلقة».
كيف ينظر صنّاع الدراما إلى هذه الظاهرة؟ هل فعلاً باتت تشكّل خطراً على التلفزيون؟ لذا فقد صار واجباً على الفضائيات البحث عن حلول والخروج من النمطية التي قد تحكم عملها. يتفّق الممثل والمخرج السوري رامي حنا في حديثه لـ«الأخبار» على ذلك، قائلاً إنّ «ظاهرة المشاهدة على يوتيوب إيجابية جداً، وأتوقّع أن المستقبل سيكون للإنترنت وليس للتلفزيون. لذا ربما على القائمين على الفضائيات العمل على تغيير خريطة الطريق خلال السنوات الخمس المقبلة. كما عليها أن تُعيد النظر في كل المعطيات، لأنّ الجمهور قد يصبح هو صاحب القرار، حتى في العائد المادي المتناسب طرداً مع حجم المشاهدة». يضيف نجم «قلم حمرة» (إخراج حاتم علي): «على هذه المحطات أن تتنبه إلى أن البساط يُسحب من تحت قدميها، ويجب أن تبحث عن مفاتيح جديدة، خصوصاً أن المنافسة ستختلف. من الصعب أن تقنع أجيالاً مهووسة بالشبكة العنكبوتية بالاعتصام بمشاهدة التلفزيون. إضافة إلى أنّ الكلفة المالية مختلفة، فالمحطة تحتاج إلى معدّات وميزانيات ضخمة على عكس اليوتيوب».

أعمال حقّقت أكثر
من 12 مليون مشاهد على الشبكة الالكترونية
من جهة أخرى، يلفت مخرج «روبي» إلى أنّ هناك أعمالاً تقدّم على الإنترنت وتحقّق متابعة مذهلة تصل إلى 12 مليون مشاهد، وتتنوّع المواضيع المطروحة من أكثرها عمقاً إلى أكثرها سخافة. إذاً، هي دعوة حقيقية للمحطات لتحصين نفسها عبر «تخفيف دائرة المحرّمات والممنوعات، والحدّ من دور الرقابات، ثم التنويع أكثر في الأفكار، لأن الخيارات أثناء المشاهدة على الانترنت غير محدودة. ومن المعروف أن جمهور المسرح انحسر عند ظهور السينما، وبمجرّد ظهور التلفزيون، تراجعت متابعة السينما، والآن ربما حان الوقت لانحسار جمهور التلفزيون بسبب تكريس المشاهدة على قنوات الانترنت».
يتقاطع كلام المخرج سيف الدين السبيعي مع ما قاله زميله رامي حنا. في حديث لـ«الأخبار»، يرى السبيعي: «أنّ التلفزيون سيتأثّر في المستقبل القريب، علماً أنّ المحطات المعروفة أسّست لنفسها مواقع على يوتيوب، ومن المرجّح أنّ آليات المشاهدة ستتغير كلياً». يعتبر المخرج السوري سامر البرقاوي أنّ احتكار يوتيوب للأعمال التلفزيونية سيحصل لكن على المدى البعيد، ويشرح: «يتميّز هذا الفضاء بتوفير حرية المشاهدة بعيداً من استثمارات المعلنين وتحكّم المحطات بأوقات العرض». يعتقد مخرج «لو» أنّه كان الأجدى «بالمحطات ابتكار الحلول سريعاً عبر عقد اتفاقات مع إدارة يوتيوب وحذف ما يتسلّل إليه من أعمالها، وإنشاء مواقع موازية لها، تقدّم من خلالها أعمالها بعروض مدفوعة ومشجّعة كمشاهدة الحلقة قبل يوم من عرضها». ويعترف البرقاوي «أنّ هذا الفضاء الافتراضي يصعب ضبطه. فهناك حديث عن تطبيقات جديدة منافسة ستجعل احتكار المادة المصوّرة أياً كان أمراً مستحيلاً». ويضيف: «يذكّرني هذا الأمر بدخول الفضائيات وولادة الإعلام الحرّ وتأثيره في الإعلام المحلي، والجهود الضائعة التي هدفت إلى كبح هذا الفضاء الوليد». لكن للنجم عبد المنعم عمايري رأياً يختلف كليّاً عن زملائه. هو يراهن على دقّة وجودة الصورة والدور الكبير الذي تلعبه الإضاءة وطريقة التصوير في رفع مستوى هذه الصورة التي تشكّل عنصراً أساسياً في جذب المشاهد. يقول: «هذا الأمر يعجز عنه الإنترنت في كل الأحوال، إضافة إلى أن هذه الخدمة لا تزال متأخّرة نوعاً ما في بلداننا». ويجزم السيناريست والشاعر السوري عدنان العودة في حديثه «أنّ لليوتيوب دوراً مهماً في عرض وحفظ الأعمال الفنية بعيداً من سلطة أيّ رقيب، بما يجعل هذه الأعمال متاحة للجميع في مواجهة احتكار الفضائيات لهذه الأعمال، إضافة إلى التخلّص من سطوة التوقيت، بمعنى تحديد مواعيد عرض هذه المشاريع». ويضيف: «مع ذلك يعتبر موقع الفيديو قناة عرض خاسرة، لأن الشركات المنتجة لا تُنتج أعمالها كي تعرض على اليوتيوب، بل على القنوات ليُسترجع رأس المال المُنفق على المسلسل عن طريق الإعلانات.
هذه الأخيرة بدورها دخلت اليوم يوتيوب. وبالتالي تعود الجدلية إياها لإنتاج مسلسل، فالحاجة إلى رأس المال أساسية، وهذا لا يأتي إلا عن طريق الإعلانات على الفضائيات». يقول عدنان العودة: «قمت مع الموسيقي إياد الريماوي والمغنية بسمة جبر والمخرجين سامر ومصطفى البرقاوي، بصناعة كليب «بياعة الزنبق» لمصلحة يوتيوب حصراً، وكانت النتيجة انتشار الأغنية على نطاق واسع من دون أن تجلب لنا أيّ مردود مادي. لذا فقد خرجت بنتيجة تفيد بضرورة البحث عن آلية جديدة لإنتاج الأعمال الفنية، وعرضها على يوتيوب على أن تحقّق هذه الأعمال مردوداً مادياً يُساعد منتجي الأعمال على استرداد رأس مالهم والاستمرار في العمل». في جميع الأحوال، يبدو واضحاً أن العروض التلفزيونية المندفعة بشراهة نحو تحقيق أكبر قدر من الأرباح من خلال الإعلانات باتت على المحك، بعد ضجر المشاهد من اعتباره مجرد زبون تتحكّم به المحطات الكبرى، فإما أن تعيد تلك القنوات هيكلتها أو ستخسر كثيراً خلال الفترة المقبلة.





الصدارة لـ«ضبوا الشناتي»

يبقى لأصحاب القنوات على يوتيوب رأي خاص، لكنه يتقاطع مع أهل الدراما. المهندس السوري زكي قدسية أسس مع مجموعة من زملائه قناة «سوريا بلدي» بهدف توثيق وتحميل نتاجات المجموعة الفنية وفق ما يقول في اتصال لـ« الأخبار». ويضيف: «الهدف يتطوّر بقصد جلب أكبر عدد من المتابعين، فلا ضير بأن تحمّل نتاجات تزيد من متابعتك. هكذا، بدأنا في تحميل المسلسلات الرمضانية». وعن الأعمال التي حمّلها على قناته يذكر «باب الحارة 6» و«بقعة ضوء» و«ضبوا الشناتي» الذي يلعب بطولته بسام كوسا، وأمل عرفة. وقد حصد الأخير أعلى مشاهدات. أما عن مستقبل المشاهدة على يوتيوب فيقول قدسية «المستقبل سيكون لـOnline Television