بالتعاون مع «اتحاد المصوّرين العرب» و«دار المصوّر»، أطلقت «جمعية مهرجان الصورة- ذاكرة» عام 2019 الدورة الأولى من «مهرجان بيروت للصورة». كان الهدف خلق مساحة لتعزيز ثقافة الصورة في لبنان والعالم ونشرها، والتركيز على الصورة كعامل أساسي في حوادث التاريخ وكشف أوجه الحياة الإنسانيّة المتعدّدة، وحفظ هذه التجربة ببُعدَيها التوثيقيّ والفني. بعد ثلاثة أعوام على الدورة الأولى، عاد المهرجان في دورته الثانية في الأول من الشهر الحالي، ليشمل معارض فوتوغرافيّة في بيروت وعدد من المناطق اللبنانية، فضلاً عن ندوات ولقاءات حواريّة تستمرّ حتى نهاية هذا الشهر. يبلغ عدد المعارض ستّة، يدور معظمها حول لبنان وفلسطين، ماضياً وحاضراً.
دييغو ايبارّا سانشيرز. «الانهيار الفينيقي: بداية ثورة» (2019)

المعرض الأوّل يحمل عنوان «تحيّة إلى شيرين أبو عاقلة» التي اغتالها العدوّ الإسرائيلي في 11 أيار (مايو) الفائت. تتضمّن هذه التحيّة عَرْض وثائقيّ من إنتاج قناة «الجزيرة» تحت عنوان «اللقاء الأخير»، ويضمّ لقاء مع الشهيدة ‏التي اغتيلت قنصاً وعمداً على يد قنّاص من الجيش المحتلّ الذي لم يتوقّف إجرامه يوماً ضد الصحافيين والمدنيين. يعرض هذا الوثائقيّ بشكل مستمرّ في «المكتبة الوطنية اللبنانية» (الصنائع ــ بيروت) وقد أنجزه عدد من المصوّرين الفلسطينيين هم: عمّار عوض، محفوظ أبو ترك، معمر عوض، موسى الشاعر، إياد الطويل، بيان جعبة، جعفر اشتيه، ديالا جويحان، ريناد الشرباتي، عزات جمجوم، فايز أبو رميلة، فوّاز طوباسي، محمود عليان، مصطفى الخاروف، ناصر ناصر ومعاذ الخطيب. هؤلاء أسهموا في هذه التحيّة المؤثرة للإعلامية التي قضت في الميدان غيلةً وظلماً ليُضاف اسمها ‏إلى قائمة الشهداء الطويلة ممّن قضوا على يد الإجرام الإسرائيلي المشهود.
وفي «المكتبة الوطنية» أيضاً معرض بعنوان «ذكرى مدينة» يتضمّن عدداً من الصور التي توثّق انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020، من إنتاج «دار المصوّر». تحمل هذه الصور توقيع عدد من المصوّرين، بينهم شيرين يزبك التي منحت فوتوغرافياتها عنوان «ذلك اليوم الذي مُتُّ فيه»، موثّقة بعدستها لحظات الرعب والألم والدمار التي يبقى أثرها محفوراً في النفوس رغم مرور عامين على الفجيعة. ورغم المأساة البادية في الصور، إلا أنّنا نلمح لدى النظر إليها روحاً إنسانيّة تضفي عليها الشعور الآني بالمأساة. ‏نرى في أعمالها هول الدمار والحديد المتطاير والرماد الذي غطّى الشوارع والمنازل المهدّمة والجسور المدمّرة والسفن المحترقة، ليبقى السؤال: من يداوي بيروت من هذا الجرح العميق والغائر؟

من «فلسطين... حياة بعيون المصوّر خليل رعد: معرضٌ تكريميّ»


عمل للمصوّر الإيرانيّ الفرنسيّ الفريد يعقوب زاده

معرض آخر في مبنى صحيفة «السفير» (الحمرا ــ بيروت) تحت عنوان «طهران، القدس، بيروت - رحلة الفريد» للمصوّر الإيرانيّ الفرنسيّ الفريد يعقوب زاده، وفيه مسار رحلة بين الآلام والآمال، بين المدن الثلاث منذ الثمانينيات من القرن الفائت. فهذا المصوّر الإيراني الذي يحمل الجنسيّة الفرنسيّة، ترك دراسته في التصميم الداخليّ مع اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، ليدخل عالم التصوير الفوتوغرافي في قلب جبهات القتال طوال ثلاث سنوات، مرسلاً صوره إلى وسائل الإعلام المحليّة والأجنبيّة. عُرف الفريد بـ «صيّاد اللحظات النقيّة»، إذ يصطاد اللحظة من قلب الحدث. ثم انصبّ اهتمامه على تصوير الأشخاص في مرحلة ما بعد الحرب التي تركت أثرها في أجسادهم ونفوسهم. نرى مثلاً صورة أم الشهيد حامد مستعيدةً وجه ابنها (في إطار فوتوغرافيّ تكوينيّ واحد). كذلك صوّر الفريد مقاتلي المقاومة الفلسطينيّة في فلسطين، وجالت كاميراه في الصومال وأفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وكوبا والهند وتركيا وروسيا والعراق والصين والشيشان وسريلانكا والولايات المتحدة… وصولاً إلى لبنان. والجدير ذكره أنّه تعرّض للاختطاف في غزّة مع صحافيين أجانب ثم أطلق ‏سراحه بعد فترة وجيزة. خبرته مميّزة في تصوير الطقوس والاحتفالات والتقاليد الدينيّة في أكثر من أربعة وعشرين بلداً حول العالم، وعرضت فوتوغرافيّاته في ميلانو وبودابست والعديد من المدن الأوروبية.
المعرض الرابع يُقام بالتعاون مع «مؤسّسة الدراسات الفلسطينية» تحت عنوان «فلسطين... حياة بعيون المصوّر خليل رعد: معرضٌ تكريميّ». يشتمل الأخير على فوتوغرافيّات تاريخيّة من أرشيف المصوّر الفلسطينيّ خليل رعد (1854 – 1957)، توثّق للحياة اليومية وللمشاهد الطبيعيّة في المدن والقرى الفلسطينيّة قبل نكبة فلسطين عام 1948.ويُفتتح المعرض بدءاً من الثامن من هذا الشهر إلى الثلاثين منه في قاعة المعارض الخاصة بـ «مؤسّسة الدراسات الفلسطينية» في بيروت.
على مدى ستة عقود، ‏التقطت عدسة هذا المصوّر الفلسطينيّ الرائد الحياة اليومية في عموم فلسطين، بخاصة القدس، معوّضاً النقص في الفوتوغرافيّات النمطيّة لمصوّري الاستعمار الغربيّ، بل تكشف فوتوغرافيات رعد تأثير الاستعمار في حياة الإنسان الفلسطينيّ، علماً بأنّه كان أوّل مصوّر عربيّ يفتتح استوديو في مدينة القدس، وتعتبر فوتوغرافيّاته إرثاً فنيّاً ووطنياً.
يشتمل معرض «ذكرى مدينة» في المكتبة الوطنية على عدد من الصور التي توثّق انفجار المرفأ


وأمس، افتتح في «المكتبة الوطنية» المعرض العام للمهرجان، الذي يتضمّن مشاريع ثمانية وثلاثين مصوّراً فوتوغرافيّاً مِن دول متفرّقة يجتمعون تحت ثيمة «الذاكرة»، التي تشمل التحقيقات الإخباريّة والحكايات الشخصية والفولكلور وثقافات الشعوب.
وختاماً معرض سادس ينطلق في الثاني والعشرين من الجاري في مبنى صحيفة «السفير» يحمل عنوان «شاهدٌ على الزمن الجميل» يحوي فوتوغرافيات للمصوّر اللبنانيّ عدنان ناجي الذي احترف تصوير الفنانات والفنّانين العرب واللبنانيّين في ستّينيات القرن الماضي وسبعينيّاته، فنشاهد صوراً لأم كلثوم، وفيروز، وصباح، وسميرة توفيق… صور تردّنا حقاً إلى عنوان المعرض، أي الزمن الجميل، زمن الفنّ النابض أصالةً وإبداعاً وحيويّةً.

* «مهرجان بيروت للصورة»: حتى نهاية أيلول (سبتمبر) الحالي. للاستعلام: 71/236627 ـــــ beirutimagefestival.org