القاهرة | أصبح البناء الكلاسيكي للعمل الدرامي، والتتابع التقليدي للأحداث المتوقّعة أشبه بالملفّات الملقاة على الأرفف في المصالح والمؤسسات الحكومية. وقد وصل الأمر أخيراً إلى أنّ متابعة الدراما بشكلها المذكور سلفاً، أصبح يعدّ حملاً على المشاهد الذي لا يجد مفراً من تفاصيل حياته اليومية إلا متابعة الدراما التلفزيونية التي قد تأخذه إلى حياة أكثر رتابة أحياناً.
اعتاد المشاهد المصري على متابعة مسلسل السابعة والنصف مساءً. منذ أن وجد جيل مواليد الثمانينات نفسه على وجه الأرض، وجد أيضاً جيل آبائه وأمهاته يتابع مسلسلات هذا التوقيت بعد يوم شاق في العمل بهدف الخروج من الأحداث الروتينيّة اليوميّة إلى قصة أخرى بأحداثها وصراعها وتصاعدها الدرامي. وربما كان أبرز من قدّموا تلك القصص وأشهرهم الراحلان أسامة أنور عكاشة ومحمد صفاء عامر. لكن ولد لنا اليوم جيل جديد استطاع بجدارة أن يستأنف ذلك العطاء الدرامي الذي يمثل متنفساً مهماً للمواطن المصري بشكل خاص والمشاهد العربي عموماً.
في اليوم الأول من رمضان هذا العام وبمجرد أن تضغط على زر التشغيل، ستضاء الشاشة لتجد رجلاً مسنّاً ممدداً على فراشه محاطاً بأبنائه السبعة الذين سيرثون مبلغاً ضخماً لو قرروا التخلّص منه سريعاً.
هؤلاء الأبناء الذين فرّقتهم العديد من الاعتبارات، جمعهم حب المال والامتلاك فاتفقوا على إنهاء حياة الأب «سيّد» ليجدوا أنفسهم فجأة أمام حدث غير تقليدي بعد اختفاء جثة الأب التي يحتاجها الطبيب الشرعي والنيابة كي يتم صرف الميراث لهم. ما قادهم إلى شراء جثة مجهولة من المشرحة. ولحظهم العاثر، اكتشف الطبيب أنها لشخص مات مسموماً بسم الفئران، الأمر الذي يستطيع الطبيب معاينته بمجرد النظر الأوّلي. هكذا، يهرب الأبناء جميعاً تاركين شقيقتهم «بوسي» لمواجهة الأمر وحدها، فيلقى القبض عليها ويتشتت الأبناء، وتبدأ الأحداث الحقيقية في التصاعد وتنقسم القصة إلى سبع قصص لسبعة أشخاص تقودهم «سبع وصايا» سُمّي المسلسل باسمها.

يبرع صبري فوّاز
في انفعالاته المحددة والمضبوطة التي تملأ غياب الحوار

بمجرد اندماجك في أحداث المسلسل، تستطيع أن ترى مبدأ الثواب والعقاب في صورته المعقدة البعيدة من منطق الأبيض والأسود التي اعتادها المُشاهد ومَلّها ليجد الجاني تقوده قدمه إلى الهاوية، والمجني عليه يسعد في نهاية الأمر، فالمميّز في هذه الأحداث أنّ العقاب لا يأتي مجرداً للمُخطئ، والخير لا يُرد كمادة خام إلى فاعله.
تتحرّك الأحداث بالابنة «بوسي» (رانيا يوسف) المسجونة حين تقابل «أوسا» التي تجسد دورها الممثلة القديرة سوسن بدر. تبدأ الأخيرة بمساعدتها، وإيهام المسجونات اللواتي قُمن باضطهادها ومضايقتها إلى حد وصل إلى ضربها، بأنها صاحبة «كرامات ولعنات» باصطلاح شعبيّ كي يهابها الجميع كمن تقوم بإضفاء القداسة أمام الجميع على شيء لا تريد المساس به لأي هدف غير كونه مقدساً. يقود بقيّة الأبناء طرقهم إلى قصص متفرقة يظهر فيها الشر والخير مضفّرين ببعضهما بشكل معقّد ينسف فكرة الخير المُطلق والشر المُطلق... تلك الفكرة الطفولية التي تتنافى مع الواقع، وهو الأمر الذي يجيد السيناريست الشاب محمد أمين راضي تضفيره ونقشه بشكل متقن وبسيط بقدر تعقيد التشابك بين المتضادات فيه.
من يبحث عن الرمزيّة المجرّدة في المسلسل بين الخير والشر والحق والباطل خلال ما عُرض من حلقات، سيُرهق ذهنه كثيراً ليجد في كُل عنصر خيره وشرّه. يجد المشاهد ذاته حائراً أمام نفسه التي وجدها بمنتهى التلقائية متعاطفةً مع قاتل أبيه أحياناً، ولاعنة له في أحيان أخرى، وهنا يكمن الاختلاف. يظهر الأب على الأبناء ليلاحقهم في أحلامهم، محملاً إياهم وصايا لا يستطيع بعضهم تنفيذها، ويخوض بعضهم الآخر في طريق تنفيذها. عنصر يبدأ في خطف عقل المشاهد باتجاه الرمزيّة حيناً والخرافة أحياناً. لكن مَن يكثّف تركيزه على الأحداث، سيجد ما يضرب الخرافة في مقتل من خلال حيل وألاعيب الابنة «إم إم» التي أصبحت تشتغل في الأعمال والسحر بالحيلة والذكاء وليس في الدجل والشعوذة. تلك الابنة تجسد دورها الفنانة هنا شيحة ويجسد وليد فوّاز دور زوجها بشكل مميز وجذاب لتصبح قصة حبهما هي الأبرز والأكثر خفة وجمالاً في المسلسل... تلك العلاقة التي تشبه علاقة ابن وأمه أكثر من كونها علاقة زوج وزوجها، وتعلقهما ببعضهما يجعل المشاهد مبتسماً طوال فترة ظهورهما سوياً على الشاشة.
حين يظهر الفنان صبري فوّاز على الشاشة مجسداً دور محمود ذي الانفعالات المحددة المضبوطة التي تغني كثيراً عن وجود حوار في المشهد، يجد المتلقّي مبررات لجرأة المخرج خالد مرعي في إطالة فترة تركيز الكاميرا على وجهه في غياب حوار واكتفائه بالخلفية الصوتية للحضرة الصوفية التي تغلّف أحداث المسلسل من جميع الجهات، يربطها بالأحداث مبدأ الخطيئة الكبرى التي تظل تطارد فاعلها في التفاصيل كافة، ولا تغيب عن شعوره لحظة واحدة. في النهاية، يأتي صوت غيتار في تتابع ثابت يصحبه صوت الحضرة الصوفية التي أبدع الفنان هشام نزيه في تقديمها حين تتلو رائعة محيي الدين بن عربي عن الخطيئة الأولى ونزول الإنسان من الجنّة بعدما أبى أن يسكنها بخطيئته، مردداً: «فلله قوم في الفراديس مُذ أبَت قلوبهم أن تسكن الجو والسما...»

* «السبع وصايا» يومياً 23:00 على قناة «سي. بي. سي»




التصوير مستمرّ

يستمرّ المخرج خالد مرعي في تصوير مسلسل «السبع وصايا»، ومن المتوقع أن ينهي عمله الأسبوع المقبل. وينشغل أبطال المسلسل بمشاهدهم، بسبب وجودهم جميعاً في غالبية اللقطات، الأمر الذي يزيد التصوير صعوبةً. وكان أبطال المسلسل اعتذروا عن عدم إجراء أيّ لقاءات إعلامية في رمضان بسبب إنشغالهم. ومن المحتمل أن تطلّ قريباً رانيا يوسف إحدى بطلات العمل، مع الإعلامي نيشان في برنامجه «ولا تحلم» (mtv _ «الحياة» المصرية). لكن حتى اليوم، لم يُحدّد تاريخ حضورها.