تحت عنوان «احتفاءً بالرسم»، تقيم «غاليري جانين ربيز» معرضاً لأعمال 12 فناناً سبق أن عَرَضَتْ أعمالهم منفردين، ضمن معرض جماعيّ هذه المرّة يستمرّ حتى 26 آب (أغسطس) الحالي. أعمال متنوّعة الأساليب والتقنيّات والأمزجة وأشكال التعبير، استُوحي بعضها من واقع المدينة وخرابها وجحيمها المندلع منذ مأساة الرابع من آب وتداعياته المؤلمة. يشمل المعرض ثلاثة أجيال، أوّلها ينتمي إلى الأكبر عمراً والأقدم تجربةً ويمثّله الفنّان جميل ملاعب (مواليد بيصور ـــ 1948) الذي التحق عام 1984 بـ «معهد برات» في نيويورك حيث نال الماجستير في الفنون الجميلة وأتبعها بدكتوراه في التربية الفنية من «جامعة أوهايو».
راشد بحصلي ــــ Urban Ko (غواش وماء على كرتون مقوّى ــــ 80 × 61 سنتم ــــ 2006)

يرسم جميل ملاعب على القماش من مخزون الذاكرة وجوهاً لرجال ونساء وأطفال وبيوتاً ودروباً وحقولاً قرويّة، وأنشطة بشريّة ومهرجانات واحتفالات وتقاليد. تتحوّل الحياة القرويّة لديه إلى حركة مجتمعيّة كاملة في منظر تشكيليّ ذي ظاهر تجريديّ ومضمون واقعيّ. وفي لوحته ديناميّات أفقيّة وعموديّة متداخلة، ما يعزّز شعوراً بصريّاً لدى الناظر إلى لوحته بأنّه حيال نسيج احترافيّ دقيق الصنع. رسومه سهلة القراءة إنّما غزيرة التفاصيل. منمنماته متناهية الصغر ترصد يوميّات العيش بمزيج من تجريد ولا تجريد، حسّي ولا حسّي، غنيّ المخيّلة والألوان. إحدى لوحاته الزيتيّة على كانفاس، سبق أن عُلّقت في معرضه «لبنان بلد الجمال والثقافة»، كأنّها تصوّر لبنان جزءاً من ملكوت سماويّ فيه من الشعائر والطقوس، ومن المخيّلة والواقع، مع إمعان في استخدام الخطوط والأشكال والعناصر الإيحائيّة والتصوّرات والهندسات والحكايات التراثيّة.
جيل ثانٍ مكوّن غالباً من أساتذة فنّ تشكيلي ومدراء محترفات فنيّة وأكاديميّين يعملون بلا ضوضاء، يتمثّل في هذا المعرض عبر ثمانية أسماء: عايدة سلوم (1954) التي تشارك بلوحةٍ تجريديّة عنوانها «مراوغة»، وهي في جزءَين متلاصقين من أكريليك وشاش. مناخاتها شعريّة ومعالجتها لونيّة. وهناك هنيبعل سروجي (1957) وجداريته التي لا تحمل عنواناً، تهب الناظر إليها مشهداً حلميّاً لطبيعة نائية، تأمّلية، ساكنة وهادئة، تستمدّ إلهامها من الفنّ والشعر اليابانيين من خلال نعومة اللون وشفافية الضوء. راشد بحصلي (1957) يشارك بلوحته Urban Ko من غواش وماء على كرتون مقوّى. في هذه اللوحة التي تعود إلى عام 2006، يضبط الفنان «الفوضى» بأشكال هندسية متناسقة، عن بيوت بيروت بعد الانفجار.

يقدّم إيلي بورجيلي لوحة تجريديّة معبّراً فيها عن أمل المستقبل

وتحت عنوان «قد يكون المقهى غداً أقل مرارة»، يقدّم إيلي بورجيلي (1960) لوحة تجريديّة معبّراً فيها عن أمل المستقبل. واللوحة حديثة العهد (أنجزت هذه السنة) ذات مواد متنوّعة، فرغم السواد والعتمة، تبرز نافذة الحياة الزرقاء المطلّة على صباح مشرق. من جهته، يعرض بسّام جعيتاني (1962) جداريّة مرسومة على قماش لا تحمل عنواناً ويعود تاريخها إلى عام 2007، مستخدماً فيها الصدأ والأكريليك على كانفاس فيما طابعها تجريديّ. ليلى جبر جريديني (1963) ترسم الطبيعة الصامتة في لوحتها المنجزة حديثاً «عطر الشتاء» (أكريليك على كانفاس). فاكهة ذات ألوان زاهية تهرب إليها من واقع لا تودّ رؤيته، مخرجةً موضوعها في الإطار الأكاديمي التقليدي. جوزيف حرب (1964) اختار للمعرض جداريّة (بلا عنوان) تعود إلى عام 2013، حيث تظهر بيروت من الجوّ، مع تجريد تطغى عليه بقع زرقاء وأشكال مجردة ومبهمة. آلان فاسويان (1966) خصّ المعرض الجماعيّ هذا بأعمال تجهيزيّة ذات خامات شفافة وأشكال ظلّ (Silhouette) تعكس حريق الغابات البيئيّة في لبنان والعالم، حيث الحيوانات المحاصرة بالنيران. في العمل استخدام محدود بلونين، الأسود (لمقدّم المشهد) ولون النار (لخلفيّته)، مستعيناً بتقنية الأكريليك مع صباغ لونيّ طبيعيّ على خشب.
أعمال متنوّعة استُوحي بعضها من واقع المدينة وخرابها وجحيمها


الجيل الثالث الأصغر سنّاً يتمثّل بإليسا رعد (1976) التي تعتمد الأسلوب الواقعي في لوحتها الزيتيّة (2006) على كانفاس التي تحمل عنوان «العذراء المترمّلة» عن فتاة متألّمة في مكان مهجور، وقد تكون عروساً شابة فقدت عريسها الشاب، فيما العزلة توحيها البيوت قبل البشر. أما غادة الزغبي (1980)، فتقدّم لوحتها الزيتيّة على كانفاس (2019) وفيها ثيمة الفوضى المدينيّة في بيروت بعد سلسلة حروب متتالية انعدم فيها التنظيم المدنيّ وانتشر البناء العشوائيّ. وأخيراً لوحة بترام شلش (1988) التي تحمل عنوان «تصدير»، وتستلهم لوحة «غرق ميدوزا» لجيريكو، إنّما بمعالجة حديثة، معاصرة، وبألوان ضبابيّة.
في عام 2021، أطلقت «غاليري جانين ربيز» موسمها الخريفيّ بسلسلة معارض متتالية، وها هي اليوم تمهّد للموسم الخريفيّ المقبل بمعرض جماعي استعاديّ يجمع أجيالاً ثلاثة مختلفة العمر والتجربة، دافعةً إياها معاً إلى واجهة المشهد الفنّي، بغية إلقاء ضوء ما على راهن فنّ الرسم في لبنان.

* «احتفاءً بالرسم»: حتى 26 آب (أغسطس) الحالي ــ «غاليري جانين ربيز» (الروشة ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/868290