دمشق | الهاجس، الرغبة في البحث والتطوّر، تبنّي موقف سياسي أو إنساني، وتقديم وجهة نظر شخصيّة في الفن... يشترك الممثلون السوريون في أسباب خوضهم تجربة الإخراج. المبدأ ليس جديداً. دريد لحام، مثلاً، أخرج بنفسه عدداً من أبرز أفلامه مثل «الحدود» (1984، 99 د. ــ إنتاج نادر الأتاسي و«سيريا فيلم») و«التقرير» (1986، 100 دقيقة ـ إنتاج نادر الأتاسي).
بعض الممثّلين أنتجوا أفلامهم بأنفسهم، كما فعل قصي خولي في تجربة لافتة من تأليفه بعنوان «سيناريو» (2005، 30 د) عن سيناريست انعزالي يمرّ بيوم غريب الأحداث والحالات. بعد خمس سنوات، أنجز مهنّد قطيش فيلمه الأوّل إخراجاً وكتابةً وإنتاجاً بعنوان «شوية قلب» (16 دقيقة) إثر إنهائه «ستاج» في الإخراج في «أكاديمية نيويورك» في أبوظبي. قصّة حب تقليديّة حاول قطيش أفلمتها بأسلوب شاعري مع كثير من التفاصيل وبصريات الطبيعة.
وأخيراً، تنامت هذه الظاهرة مع ازدياد إنتاج «المؤسسة العامة للسينما» وولادة مشروعها لدعم الشباب بمنح إنتاجية عام 2012، بينما تمكّنهم من الحصول على تمويل خاص. حسام الشاه أفاد من إحدى منح المؤسسة لصنع باكورة أفلامه «حليّ» (2014، 14د) عن سيناريو لرامي كوسا. عائلة بسيطة تعيش يوميات الحرب السورية، وتحاول التشبّث بالأمل من خلال شجرة رصاص كابوسيّة تتحوّل إلى شجرة ألعاب وألوان. الكاتب نفسه سيكرّر التجربة هذا العام مع نادين تحسين بيك بفيلم «غزل البنات» ضمن مشروع دعم سينما الشباب. نادين ستقف خلف الكاميرا للمرة الأولى لتتبع مأساة مهرّج يعيش فاجعة رحيل عدد من الأطفال بقذيفة هاون أمام عينيه. تتحوّل يوميّاته إلى جحيم لا يُطاق. من المستفيدين من منح العام الماضي أيضاً نجد شادي مقرش في «عناية مركزة» (26 د – سيناريو رضوان طالب) عن طبيبين مقيمَين في أحد المشافي الحكومية يتعاملان مع حالات حرجة من مختلف الأطراف المتصارعة في البلاد. هي التجربة الثالثة لمقرش الذي عمل كممثّل مع مخرجين للمرة الأولى في عدد من الأفلام القصيرة، بعد ديكودراما «أجدادنا» (2011، 20 د) عن «بيمارستان» الأرغوني في حلب، و«عيد ميلاد شهيد» (2013، 10 د) عن مجزرة مقصف كليّة العمارة في جامعة دمشق إثر هاون عشوائي خلّف عشرات الشهداء في آذار (مارس) 2013.

انتهت ريم عبد العزيز من تصوير فيلمها
الأوّل «فقط إنسان»
في السياق عينه، انتهت ريم عبد العزيز من تصوير فيلمها الأوّل «فقط إنسان» (2014) قبل أيام، عن سيناريو لكوثر معرّاوي ومن إنتاج المؤسسة العامة. الممثّلة السوريّة التي أخرجت عدداً من الكليبات سابقاً، تتصدّى لقصّة حب بين جندي على حاجز وجارته الموظّفة، في تحية للجيش وإبراز للفقدان الذي يغلّف حياة السوريين اليوم.
سلاف فواخرجي خاضت تجربة أكبر على مستوى المدّة والإنتاج والتقنيات في «رسائل الكرز» (2014، 72 د)، سيناريو نضال قوشحة وإنتاج «سيرياتيل». الشريط الذي أصبح جاهزاً للعرض كما قالت فواخرجي لـ «الأخبار»، يتناول الاحتلال الإسرائيلي للجولان والتمسّك بالأرض من خلال حكاية حب تمتدّ 50 عاماً في قرية جولانية صغيرة. تكتب الحبيبة رسائل حبّها بحبر الكرز الذي تقطفه من شجرة في القرية. «العرض الأوّل سيكون في دمشق بعد رمضان، تليه مشاركات في مهرجانات عدة» تؤكّد فواخرجي، مضيفةً: «كانت تجربة غنيّة تعلّمت منها الكثير، وبات عندي شغف للإخراج كما التمثيل، لذا أنوي المتابعة وبين يديّ عدد من المشاريع التي أفكّر فيها». لا تبدو بطلة «حدث في دمشق» وحيدةً في هذا القرار، فكل الممثّلين ينوون تكرار التجربة والعمل على تطويرها في المستقبل.
إذاً، نحن بصدد مقاربات شخصية ووجهات نظر خاصّة في الفن. خلفية آتية من أمام الكاميرا (التلفزيونية غالباً) لا من خلفها، وخبرة مكتسبة من الاحتكاك والعمل «الميداني». أسئلة تطرح نفسها قبل المشاهدة وبعدها: إلى أيّ درجة تمكّن المخرج/ الممثّل من التحرّر من اللغة التلفزيونية التي ألفها وتعامل معها طويلاً؟ هل نجح في توليف بنية سرد متماسكة مع إيقاع درامي ممسوك وأسلوبية إخراجية خاصّة وملائمة؟ ما مدى افادته من خبراته في إدارة الممثّل؟ هل قام برسم كادر وبناء صورة بشكل علمي سليم؟ الأجوبة تحتاج إلى قراءة أعمق لكل فيلم على حدة.