من منّا لم يسمع بـ«الغناء تحت المطر» (Singin’ in the Rain)؟ الفيلم الهوليوودي الشهير رافق أجيالاً عدّة منذ صدوره سنة 1952 ولم يفقد بريقه منذ حينه، بل قد يكون ازداد جمالاً بعد مرور سبعة عقود على صدوره. وإذا ما أخذنا في الحسبان أنّ أحداثه تدور في عشرينيات القرن الماضي، نكون أمام رحلة قرن إلى الوراء، وكلّ ذلك بصورة ملوّنة فائقة الوضوح عبر تقنيّة «تكنيكولور».الفيلم الموسيقيّ من بطولة أحد أعظم الراقصين في تاريخ السينما الأميركيّة، ألا وهو جين كيلي الذي يتشارك في إخراجه أيضاً مع ستانلي دونين. وتنضمّ إلى كيلي في البطولة إحدى أهمّ الممثلات والمغنّيات وهي ديبي رينولدز، فضلاً عن الممثل والمغنّي والراقص دونالد أوكونور والممثلة جين هاغن. نال الفيلم والممثلون ترشيحات لجوائز عديدة، وفازوا بعدد منها، ولا سيما جائزة «غولدن غلوب» لأفضل ممثل (أوكونور)، كما دخل العمل سجلّات الأفلام الوطنية في الولايات المتحدة.
تدور أحداث الفيلم سنة 1927 حول النجم في السينما الصامتة دون لوكوود (كيلي) وزوجته لينا لامونت (هاغن) التي تشاركه بطولة أفلامه. دون بالكاد يتحمّل زوجته المغرورة والماكرة والمدلّلة والضحلة، لكنّ الاستوديو الذي يتعاقد معه الزوج، يحاول تسويقهما رومانسيّاً للشهرة. يتعرّف دون مصادفةً إلى كاثي سيلدن (رينولدز) التي تنال إعجابه لكنّها غير مهتمّة به. تبدأ العقدة عندما يصل خبر اكتساح فيلم «وارنر بروذرز» الجديد «مغنّي الجاز» الصالات، كونه أوّل فيلم يتضمّن صوتاً مسموعاً للممثلين وهم يتكلّمون تزامناً مع الصورة. جراء ذلك يقرّر الاستديو الذي يتعاقد معه الثنائي دون ولينا تحويل عملهما العتيد إلى فيلم غنائيّ.
الفيلم الهوليوودي الشهير رافق أجيالاً عدّة منذ صدوره سنة 1952


هنا تبرز المشكلة، ففي حين أنّ صوت «دون» ملائم لتأدية أغنيات الفيلم، جاء صوت «لينا»، رغم الجهود المبذولة والتدريبات المستمرة، قبيحاً لا يُحتمل ولكنتها بروكلينية قويّة، ولا يمكنها حتى الثبات أمام الميكرو لإيصال صوتها بوضوح، فيتقرّر استخدام الدبلجة بين صورة لينا وصوت كاثي من دون إطلاع الجمهور. إلّا أنّ ذلك لا يقدّم حلاً مثالياً، فيتكتّل الجميع ضدّ لينا، لكن في يدها أوراق قوّة كما في يَد المتكتّلين ضدّها، فمن سيربح المعركة؟ وهل سيحصل الجمهور على عمل ناجح ينافس إنتاج «وارنر بروذرز»؟
غالباً ما تكون الأفلام التي تدور أحداثها حول الصناعة السينمائية، مبتذلة ذات نزعة استعلائية إيزوتيرية. «الغناء تحت المطر» مختلف. هو ليس مجرّد فيلم موسيقيّ كلاسيكيّ آخر. هو عرض مذهل فعلاً يصوّر هوليوود عشرينيات القرن الماضي أفضل ممّا يمكن لأحد أن يفعل اليوم. عند إنتاج الفيلم، لم يكن قد مرّ وقت طويل على العشرينيات، ما ساعد على صياغة أقرب صورة إلى الحقيقة. على رغم بساطتها، تأتي النكات مضحكة، وذلك يتعلّق أساساً بتوقيتها المثاليّ. السينماتوغرافيا من أروع ما يكون، ولن نتكلّم عن الموسيقى. يؤدّي الممثلون بعض أفضل ما أُنشِد في القرن الماضي، بما في ذلك أغنية تحمل اسم الفيلم و«صباح الخير» (Good Morning) التي تُعتبر من أشهر الأغنيات على الإطلاق. كوريغرافيا الرقصات مدروسة ببراعة ومؤدّاة بتألّق. يقدّم جين كيلي وديبي رينولدز خصوصاً، عرضاً استثنائيّاً في التمثيل والرقص، بالإضافة إلى الكيمياء العالية بينهما. تُعرض في العمل مشاهد من أفلام صامتة تزيد من رونقه. مع نهاية الفيلم، يدرك المرء أنّ ثمّة قصّة حبّ طوال الفيلم، لكنّها طبيعية ونابضة بالحياة إلى درجة أن أيّ كليشيهات أو أحلام طوباوية من صنف «لالا لاند» لم تقف حجر عثرة أمام إيصال المشاعر إلى المُشاهد. تصل هذه المشاعر رغم التأثيرات الدرامية شبه المعدومة، ما يُبرز ذكاء السيناريو وإبداع النصّ. المُشاهد هنا أمام عمل مذهل من مختلف النواحي، لا يعتَق، محضراً التسلية إلى بيت كلّ جيل. ببساطة، الحكي عن «الغناء تحت المطر» ليس مثل انطباع ما بعد المشاهدة.

Singin’ in the Rain على
Amazon Prime Video